في فتاوى ابن تيمية ج23ص1634 «فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله ﷺ وتذكر هنا حادثة وقعت للإمام أحمد بن حنبل فقد أخبره بعض الناس أن أميرا أنفق ألف دينار على تزيين مصحف فقال لا بأس فهذا خير مكان ينفق فيه الذهب»
كنت أقرأ هذه الفتوى وأمثالها في أيام شبابي الأولى وأتعجب كيف لإمام كبير مثل ابن تيمية أن يجيز الاحتفال بالمولد النبوي وهو يرى أنه بدعة وكيف للإمام العظيم أحمد بن حنبل أن يمدح إنفاق الذهب على تزيين المصحف وهو يرى كراهة ذلك ..
ثم ولما اتسعت مداركي بعض الشيء وتعددت قراءاتي أدركت أنه ما من عمل إلا وفيه مصلحة ومفسدة والفقيه الفقيه هو الذي يحسن الوزن بينها ليفتى بما فيه المصلحة الأعظم والمفسدة الأقل.
أقول هذا بمناسبة اللغط القائم حول تنظيم قطر لكأس العالم.. فالكرة هي أحد الشواغل التي اخترعوها لإلهاء الناس وتضييع أوقاتهم فيما لا يفيد و فيها كثير من المخالفات التي لا تنكر ولكن أن تستغل هذه الآفة التي عمت بها البلوى في تعظيم مصالحها وتحجيم مفاسدها حتى تغلب مصلحتها فهذا من المحاسن التي تمدح فالتأكيد على الهوية الإسلامية لبلادنا التي دأبوا على مسخها في الإعلام واستخدام الحدث الهام في التعريف بها ونشرها بين الناس عن طريق استدعاء الدعاة لنشر دعوتهم واستخدام الإعلام المجتمع حول الحدث في الترويج لها مصلحة لا تنكر.
وفى التصدي لظاهرة الشذوذ والوقوف بحزم ضد الحضارة الغربية التي تفرض على العالم الترويج له حتى صار معيارا لما سموه حقوق الإنسان مصلحة لا تنكر.
وفى فرض أصول أخلاقنا على هذا الحدث والترويج لها من خلال الإعلام العالمي المتابع للحدث مصلحة لا تنكر.
وفى إبراز قدرة بلادنا على إدارة حدث كبير كهذا الحدث وتحدث العالم على تفوقهم وبث الثقة في هذه القدرات في العالم مصلحة لا تنكر.
وفى استغلال الزخم الهائل لهذا الحدث لوضع الإسلام على واجهته وتعريف الناس الذين لا يعرفونه على أصوله ومبادئه مصلحة لا تنكر.
وفى طرح القضية الفلسطينية على واجهة الحدث جماهيريا وهتاف جمهور الكرة لفلسطين ورفع علمها فى هذا الجمع الحاشد فائدة لا تنكر.
وفى إبراز فشل الحكومات في تطبيع علاقات الشعوب مع الكيان الصهيوني وكشف هذا الفشل من خلال تعاملات الناس التلقائية مع المراسلين الصهاينة وعرض ذلك إعلاميا في جميع أنحاء العالم مصلحة لا تنكر.
فوائد ومصالح كثيرة حققها مونديال قطر يغوص في بحرها تلك المفاسد التي لا تنفك عن الكرة والتي عمت بها البلوى بحيث يصعب اقتلاعها تماما كما نظر الفقيه المجدد ابن تيمية إلى أولئك المحتفلين بمولد النبي ﷺ -وهو في نظرة بدعة- إلى المصلحة المدركة من هذا الاحتفال لبعض الناس ووجدها أعظم من مفسدة بدعيتها..
وكما نظر الإمام أحمد إلى قلب الذي أنفق ما أنفق على تزيين المصحف وهو يرى كراهة ذلك فمدح فعله لما رأى عظيم مصلحة توقيره لكتاب الله.
وللعالم المبدع العز بن عبد السلام كتاب رائع سماه «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» يعلمنا كيفية الموازنة في الأعمال بين المصالح والمفاسد وما ينبغي أن يدركه الفقيه من تقديم المصلحة الأعلى والمفسدة الأخف في فتواه أدعو من يريد الاستزادة في هذه القاعدة لقراءته فقد استفدت منه كثيرا في هذا الموضوع.
شكرا لقطر على ما بذلته في إنجاح هذا الحدث العالمي وما بسطته على الحدث من كساء هويتنا وأخلاقنا وطرح قضايانا التي يحاولون طمسها.
- أسامة حافظ يكتب: جورجى زيدان.. و22 عزازيل - يونيو 20, 2023
- أسامة حافظ يكتب: الطلاق المعلق يخرج مخرج اليمين - أبريل 5, 2023
- أسامة حافظ يكتب: من كنوز الفقه الإسلامي - ديسمبر 26, 2022