يتجدد الجدل سنويا حول الاحتفال بالمولد النبوي بين الجواز والمنع، لأن المولد النبوي والاحتفال به يُعترض عليه بثلاث ملاحظات أساسية، وهي:

 

1️⃣ لم يثبت عند العلماء موعد ثابت صحيح لمولده صلى الله عليه وسلم، لأن ثقافة عصر ولادة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تحفل بتدوين الولادات لأنها أمة أميّة، وبسبب هذا فإن علماء السيرة النبوية يذكرون أن المتفق عليه هو سنة ولادته، وهي عام الفيل، ثم يختلفون في تحديد أي شهر على أقوال، هي: رمضان، صفر، ربيع أول، وقيل غير ذلك، ثم يختلفون على تحديد أي يوم، فقيل بخصوص شهر ربيع أول أنه ولد في يوم: 2، 8، 10، 12.

 

أما العلماء المعاصرون الذين اعتمدوا الحسابات الفلكية فقد ذهب الأستاذ محمد الخضري والشيخ صفي الرحمن المباركفوري إلى أن يوم الإثنين من ربيع أول من عام الفيل الموافق لعام 571م كان يوم 9 ربيع الأول!!

 

2️⃣ أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سنة صحابته والخلفاء الراشدين ولا فعلته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والتي عاشت بعده صلى الله عليه وسلم 48 سنة حيث توفيت في سنة 58هـ! ولم يحتفل بمولده التابعون ولا الأئمة الأربعة ولا الدولة الأموية ولا العباسية!

 

بل الذين أسسوا الاحتفال بالمولد النبوي هم الشيعة العبيديون في مصر لخداع وإلهاء أهل مصر عن حقيقتهم الشيعية الضالة، هذه الدولة الشيعية (ظهرت سنة 322هـ) التي جعل صلاح الدين الأيوبي القضاء عليها الخطوة الأولى لتحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي.

 

3️⃣ أن الاحتفال بالمولد النبوي تطور عبر الزمن ولم يعد له حدٌ حتى أصبحت ترتكب فيه الكثير من المنكرات والفواحش! وهذا أمر متكرر توثقه وسائل الاعلام المختلفة كما فعلت قناة (إقرأ) قبل سنوات، أو ما يتداول من مقاطع مصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، لعل أبرزها هذا العام احتفالات المولد ببغداد حيث تمتزج فيها بدع ومنكرات المواكب الشيعية مع منكرات الحفلات الغنائية!!

 

بل وصدرت بخصوص انحرافات الموالد تنبيهات من الجهات الراعية له! فقد نشرت مجلة التصوف الإسلامي في عددها 320 الصادرة في 9/2005 تعليمات المجلس الصوفي الأعلى بمصر بخصوص المولد قال فيها: “الأمور المطلوب منعها وتلافيها:

 

1️⃣ “عدم استخدام الآلات الموسيقية بمجالس الذكر (أحد المساجد بعمان فعل ذلك قبل سنوات داخل المسجد).

 

2️⃣ عدم اختلاط النساء بالرجال، وضرورة عمل سواتر داخل الخيم التي يتواجد بها النساء”.

 

وقد وصفت مجلة آخر ساعة في عددها الصادر بتاريخ 31 مايو 2006 حال المولد فقالت: “المولد احتفالية صاخبة ما أن تدخلها حتى تتورط في الزحام، فأنت دافع أو مدفوع، مانح أو ممنوح، ستمتزج رغم أنفك في الخليط العجيب، وستصبح متجانسا بصورة تدهشك وسط الدراويش والحرافيش والعارفين واللصوص والباحثين عن دور”!.

 

هذه هي أهم الاعتراضات على الاحتفال بالمولد النبوي، أنه غير ثابت الموعد، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفضل القرون والأئمة، واخترعه الشيعة العبيديون، وتطور مع الزمن ليصبح كرنفالا يتصادم مع السنة النبوية.

 

والآن، وبعد أن مرت المناسبة وتبادل الملايين التهنئات، وأقامت الدول الاحتفالات الرسمية وعقدت الفاعليات الشعبية طقوسها وتناول الناس الحلوى، وماذا بعد؟

 

ما هي نواياكم وخططكم تجاه المقام النبوي؟ ما هي إجراءاتكم تجاه السنة النبوية التي تتعرض لهجمة شرسة جداً. وقد أحسن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حين خصص كلمته في حفل المولد النبوي لإبطال الطعن بمكانة السنة النبوية التشريعية.

 

ما هي برامجكم العملية المستقبلية ليكون النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتكم فعلاً؟ وحبيبكم حقاً؟

 

هل ستكون السنة النبوية “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” (متفق عليه) هي النهج السائد بحيث نكون فعلا دولة القانون الذي لا استثناءات فيه؟

 

هل ستكون السيرة النبوية الرفيعة هي النبراس الذي يقتدي به المواطنون والموظفون جميعاً وعلى كافة مستوياتهم فيقوم الجميع بواجباتهم على أكمل وجه لقوله عليه الصلاة والسلام “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” (صححه الألباني).

 

هل ستبادر فتياتنا ونساؤنا ممن يحببن النبي صلى الله عليه وسلم وتبادل التهنئات والصور والمقاطع بمولده للتمسك بهدْيه وسنته وشريعته في لباسهن، فيكون حجاب نسائه أمهات المؤمنين هي الموضة التي يتفاخرن بتقليدها والمبالغة فيها؟

 

هل سنجد من شباب الإسلام الذين يرفعون شعار “رسول الله قدوتي” لمزيد من الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، فيقبلون على تعلم سنته وقراءة أحاديثه وتطبيق ذلك في حياتهم، فتكون عقيدته عقيدتهم ومنهجه منهجهم وخلقه خلقهم وسلوكه سلوكهم.

 

الاقتداء والمتابعة للمقام النبوي بشموليته من الجميع رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، هو الحقيقة والعقدة التي يجب على الجميع التمسك بها مهما اختلفنا على الاحتفال بالمولد النبوي.

 

فهل نتمسك بالحقيقة والغاية الكبرى أم سنضحك على أنفسنا؟ فيكون حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم هو حلويات نتناولها وتهنئات نتبادلها فقط!! على طريقة حبنا للوطن يوم الاستقلال فنرفع الأعلام والرايات والكوفيات فقط ولا نطور من إنتاجيتنا ولا نتخلى عن سلبياتنا ولا نبادر لسد الخلل وتقديم الحلول، ولذلك تبقى الأحوال المائلة على ميلها!!

 

من أسامة شحادة

كاتب وباحث في شئون الفرق والجماعات الإسلامية