- بسام جرار يكتب: جريمة الزنا - مايو 7, 2019
- المصارف - أبريل 27, 2019
- أكاد أخفيها - مارس 11, 2019
جاء في الآية 55 من سورة يوسف:”قال اجعلني على خزائنِ الأرض إنّي حفيظٌ عليم”.
استدل بعض المعاصرين بهذه الآية على جواز طلب الإمارة، وجواز إعطائها لمن طلبها. وناقشوا، وهم في معرض تفسيرها، مدى شرعية تولي المناصب العليا في دولة لا تحكم بشريعة الله. وليس هذا مقام مناقشة الحكم الشرعي في المسألتين، وإنما هو مقام مناقشة صحّة استدلالهم بهذه الآية. والذي نراه أنّ الاستدلال بهذه الآية على القضيتين المذكورتين لا يستقيم، وهو استدلال في غير محلّه.
أمّا فيما يتعلق بطلب الإمارة فإنّ ذلك لم يحصل ابتداءً من يوسف، عليه السّلام، ولكنّه بعد أن أطلق الملك يده في التصرف، فضّل، عليه السّلام، أن يُشرف على إدارة أخطر قضية ستواجه المجتمع المصري. كيف لا، وهي تتعلق بأرواح الناس؟! بل لقد يسّر الله تعالى لهم يوسف، عليه السّلام، من قَبلُ لتعبير رؤيا الملك، رحمةً بهم. انظر قوله تعالى في الآية 54:”وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي، فلمّا كلّمه قال إنّك اليوم لدينا مكين أمين”؛ فقد أراد الملك أن يجعله، عليه السلام، أخلص خلصائه، وبعد تكليمه جعله في مكانة تمكّنهُ من فعل ما يشاء، وهو المؤتمن عنده على كل شيء. وعليه، فالمبادرة بعرض المنصب كانت من الملك، فرأى يوسف، عليه السّلام، أن يجعل الأولويّة للقضيّة الاقتصاديّة المُلحّة:”قال اجعلني على خزائن الأرض…”. بهذا يتضح أنّ يوسف، عليه السلام، لم يبادر إلى طلب الإمارة.
أما التساؤل حول دلالة قبول يوسف، عليه السلام، منصب العزيز، والذي هو أكثر من وزير، في دولة لا تحكم بشريعة الله تعالى، فإنه تساؤل في غير مَحلّه أيضاً، وذلك للأمور الآتية:
أولاً: لم تكن تشريعات الأمم القديمة مدوّنة في صيغة قانون، بل هي أعراف وتقاليد، جزء منها ينبثق من العقيدة الدينيّة. وعلى فرض أنّ تلك القوانين كانت مدوّنة، فما أدرانا أنّها تتعارض مع شريعة يعقوب، أو مع شريعة يوسف، عليهما السّلام.
ثانياً: واضح في الآيات الكريمة من سورة يوسف أنّ القوم كانوا على عقيدة الشرك، ولكن ليس لدينا أيّة فكرة عن تشريعاتهم تمكّننا من الجزم بتناقض تلك التشريعات مع شريعة الله تعالى.
ثالثاً: جاء الإسلام إلى الناس كافّة، من بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وإلى يوم القيامة، لذا كانت شريعته، عليه السلام، كاملة، وهذا يعني أنّ حكم الله تعالى بعد نزول الإسلام أصبح ينحصر في شريعته. أمّا قبل نزول الإسلام فقد كانت الشرائع متعددة، بحيث كان لكل أمّة رسول، أي لكل أمّة شريعة تتلاءم مع واقعها.
رابعاً: لا يُتصوّر في الجانب الإداري، المتعلق بإدارة الإقتصاد في حينه، أن تتعارض إدارة يوسف، عليه السلام، مع شريعة يعقوب الخاصّة، والمتعلقة بمجتمع بدوي؛ حيث جاء في الآية 100 من سورة يوسف: “ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو…”. ومن الواضح أنّ الملك قد أطلق يد يوسف، عليه السلام، في التصرف، وجعله أميناً على كل شيء.
خامساً: في الوقت الذي تعارضت فيه شريعة الملك مع إرادة يوسف، عليه السلام، في استبقاء أخيه عنده، وجدناه يدبّر للأمر، بحيث يتمّ تحكيم شريعة أبيه. وإلى هذا أشارت الآية 76 من السورة:”.. كذلك كِدنا ليوسفَ، ما كان ليأخُذَ أخاهُ في دينِ الملكِ، إلا أن يشاءَ الله، نرفعُ درجاتٍ من نشاء، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم”.
على ضوء ما سلف، ونظراً لتطرّق الاحتمال، فلا يصحّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة على جواز أو عدم جواز تولية طالب الإمارة، ولا يصحّ أيضاً الاستدلال بها على حكم تولّي المناصب العليا في دول لا تُحَكّم شريعة الله تعالى.