انتفاضة السودان

كتب: بكر العطار

لليوم السابع تتواصل المظاهرات في السودان بسبب ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار الخبز، في بلدا لو زرعت لسدت حاجة العالم من الخبر، وخلفت هذه المظاهرات قرابة 22 قتيلا وفق بيانات المعارضة، وسط اتهامات لدول عربية شقيقة بتمويل المتظاهرين من أجل إحداث فوضي عارمة بالبلادى عقابا للبشير على تقربه من قطر واركيا ورفضه مقاطعة قطر، وبعد 6 أيام من تجاهل الحكومة لمطالب المتظاهرين وبيان القوات المسلحة السودانية بمسلندتها للنظام، وعد أمس الرئيس ببعض الإصلاحات الإقتصادية تلبية للمتظاهرين، ومع هدوء الاحتجاجات بدأت الاتهامات تتوالي من مسئولين إلى دول بعينها استغلت خروج الشعب لمآربها الخاصة.

بداية المظاهرات في السودان

بداية المظاهرات:

قرار الحكومة خلال الأسبوع الماضي بزيادة أسعار الخبز ثلاثة أضعاف، ليباع سعر رغيف الخبز بما بين 3 و5 جنيهات سودانية، تسبب في احتجاجات سقط فيها ثمانية قتلى على الأقل — ستة في القضارف (شرق) واثنان في عطبرة (شرق) — في مواجهة قوات مكافحة الشغب، كما ذكر مسؤولون وشهود.

وبدأت الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الخبز الاربعاء في مدينتي بورتسودان شرق البلاد وعطبره شمالها وامتدت الخميس الى مدن أخرى بينها الخرطوم. وتجددت التظاهرات الجمعة والسبت وخصوصاً في الخرطوم وأم درمان وفي الأبَيض في ولاية شمال كردفان.

وقال أحد سكان امروابه عبر الهاتف “تجمع حوالي 600 شخص في سوق المدينة وهم يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام وساروا حتى وصلوا أمام مبنى ديوان الزكاة وهم يحاولون الدخول الي المبنى والشرطة تحاول منعهم”، وفق، “قدس برس”.

وفي الأثناء، بدت شوارع الخرطوم هادئة والحركة فيها أقل من المعتاد رغم أن يوم الأحد هو بداية الأسبوع، في ظل الاغلاق التام للجامعات والمعاهد العليا والمدارس على إثر قرار أصدرته السلطات الجمعة، وانتشرت قرب الجامعات ناقلات بداخلها عناصر من شرطة مكافحة الشغب يحملون هراوات وعبوات غاز مسيل للدموع.

واستمر وقوف المواطنين في طوابير أمام المخابز. وفي الخرطوم بحري رفضت المخابز أن تبيع لكل فرد أكثر من 20 قطعة خبز زنة 70 غراماً للقطعة، في ظل تذمر المواطنين.

مطالب بتنحي البشير

تنحّي البشير:

وفي بيان أصدره الإثنين قال تجمّع المهنيين إنّه قرّر تسيير تظاهرة الثلاثاء إلى القصر الجمهوري “لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فوراً عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء”.

وأضاف البيان أنّ التجمّع يقترح إذا ما وافق البشير على التنحّي أن “تتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني”.

ورأى محلّلون بناء على هذه التطوّرات أنّ الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، معتبرين أنّه إذا كان المحرّك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي فإنّه في النهاية مرتبط بسياسات الحكومة.

وقال عبد اللطيف البوني عميد كليّة الاقتصاد في الجامعة الوطنية لوكالة فرانس برس إنّ “السبب الأساسي للاحتجاجات اقتصادي ومرتبط بغلاء الأسعار، إلاّ أنّ الأزمة الاقتصادية جذرها سياسي ومتمثّل في فشل السياسات الحكومية وارتكابها أخطاء وسوء إدارة”.

لكنّ المتحدّث باسم حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) ابراهيم الصديق اعتبر أنّ اسباب الاحتجاجات اقتصادية لكنّ “البعض” استخدمها خدمة “لأجندات سياسية”.

الصادق المهدي.. رئيس حزب الأمة السوداني

حزب الأمة يخير البشير:

والسبت، ندد زعيم حزب الأمة، أبز حزب معارض في السودان، الصادق المهدي الذي عاد في بحر الاسبوع إلى بلاده، ب “قمع الجيش” مسيرات الاحتجاج على الغلاء متحدثاً عن سقوط 22 قتيلاً.

وقال المهدي، زعيم حزب الأمة، احد أقدم التشكيلات السياسية في البلاد، في مؤتمر صحافي في أم درمان قرب الخرطوم “”ندين القمع المسلح للاحتجاجات وما حدث يستدعي تحقيقا دوليا ووطنيا”.

وأضاف أن التظاهرات “أدت إلى سقوط 22 شهيدا وعدد من الجرحى”، بدون تفاصيل حول الحصيلة التي لم يتسن تأكيدها من مصدر مستقل.

وتابع أن “هذا التحرك مشروع قانونا” ومرتبط “بتردي الأوضاع”، مؤكدا أن “هذه التحركات سوف تستمر والناس يحركها تردي الخدمات”.

عزمي بشارة والأمير تميم أمير قطر

قطر تشعر بالخطر:

العلاقات الدبلوماسية بين السودان وقطر في أفضل حالاتها، وسبق ورفضت السودان حصار قطر ومقاطعتها مع دول الحصار الأربع، وذلك بسبب وجود قطر المالي القوي الحاضر على الأراضي السودانية من جهة، ووجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حليف قطر في السودان وعلاقاته اقوية بالبشير والتي نبع منها استلامه لميناء سواكن والعمل على إصلاحة وتجديدة، الأمر الذي أزعج دول حصار قطر وفي مقدمتهم مصر.

ومنذ إندلاع الاحتجاجات في السودان لم اقوم قناة الجزيرة الفضائية بتغطيتها المأمولة والمنتظرة منها للأحداث كما فعلت مع السعودية في قضية خاشقجي، وأرجع مراقبون ذلك إلى العلاقات بين البلدين، وخشية أمير قطر من انحياز البشير لدول الحصار.

و أعلنت الرئاسة السودانية الأحد، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أكد للرئيس عمر البشير في اتصال هاتفي استعداد الدوحة لمساعدة السودان الذي يشهد احتجاجات على زيادة أسعار الخبز وغلاء الأسعار أسفرت عن سقوط قتلى.

وقالت الرئاسة السودانية في بيان وزعته على أجهزة الاعلام إن الرئيس البشير “تلقى اتصالا هاتفيا” من أمير قطر الذي أكد “وقوف بلاد مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدة السودان على تجاوز هذه المحنة “.

ويري مراقبون أن كلمة الأمير تميم جاءت بعد علمه من مخابرات دولة ما عمل دول الحصار على تغذية المظاهرات ضد البشير، وتغذيتها حتي يطلب البشير مساعدتهم وتساومه على المساعدات مقابل حصار قطر.

واليوم ذكرت صحيفة “السودان اليوم” أن القيادي في حزب المؤتمر الحاكم “محمد مصطفى الضو”، كشف أن دولة لم يسمها عرضت على بلاده مساعدتها في معالجة أزماتها مقابل قطع العلاقات مع قطر وتركيا وإيران.

وأفادت الصحيفة بأن الضو نائب رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان، قال إن بلاده تلقت عروضا من إحدى الدول بمدها بالدقيق والوقود، مقابل قطع علاقاتها مع قطر وتركيا وإيران والإخوان المسلمين.

انقلاب بعيد:

ويراهن كثيرا من المراقبين على الجيش السوداني في هذه الأحداث، ويري البعض أن الجيش السوداني ليس ببعيدا عن الحياة السياسية في البلاد، ويريد بعض قاداته أن يقون لهم مراكز قوي كما حدث مع جنرالات الجيش في مصر، بينما يؤكد أخرون على أن الجيش ليس له شغلا بالسياسة وأنه يتبع تعليمات قياداته وفقط.

وأول أمس الأحد أكد الجيش السوداني، ، “التفافه حول قيادته وحرصه على مكتسبات الشعب”، وأن ورئيس الجمهورية عمر البشير هو القائد الأعلى للجيش ويحمل رتبة مشير.

وشدد الجيش في بيان حرصه على “مكتسبات الشعب وأمن وسلامة المواطن في دمه وعرضه وماله، مؤكدًا على أنه “يعمل ضمن منظومة أمنية واحدة ومتجانسة” تشمل القوات المسلحة، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني.

وأوضح أن قيادات الجيش تلقت خلال اجتماعها الدوري بوزارة الدفاع، الأحد “تنويراً شاملاً حول الأحداث الجارية في البلاد”، دون تفصيل.

           

استدعاء:

وحتى تفسد السودان على الدول الخارجية مشاركتها في تأجيج الصرا في البلاد، اتبعت سياسة خارجيةحادة مع جميع الدول التي تتحدث عن الاحتجاجات داخل البلاد، فاستدعت وزارة الخارجية السودانية، الأحد، سفير الكويت لدى البلاد بسام مبارك القبندي على خلفية طلب سفارته من مواطني بلاده عدم زيارة السودان ودعوة الكويتيين الموجودين هناك إلى المغادرة.

وأوضح بيان للخارجية أن وكيل وزارة الخارجية ياسر خضر استدعى السفير القبندي على خلفية ما نقلته بعض وسائل الإعلام المحلية حول طلب السفارة الكويتية من مواطنيها مغادرة البلاد وتجنب زيارتها.

وقال السفير الكويتي، وفقا للبيان، إن “الإجراء لم يكن مقصود منه أي إشارات ذات بعد سياسي أو أن الأوضاع في السودان غير آمنه”.

وأوضح أن الإجراء “قصد به تنبيه بعض المواطنين الكويتيين الذين يأتون إلى السودان دون علم السفارة لممارسة أعمال خيرية أو للصيد أو لقضايا خاصة بهم بأن ثمة أحداث في بعض الولايات حتى لا تتعرض حياتهم للخطر”.

ومنذ الأربعاء، تشهد عدة مدن في السودان مظاهرات احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأسفرت حتى اليوم عن مقتل 8 أشخاص بحسب السلطات، فيما قالت المعارضة إن عدد القتلى بلغ 22 شخصًا.

الرئيس يحذر:

وبعد صمت دام لستة أيام خرج البشير أمس الاثنين محذرا من “الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط” في أول تعليقات علنية له في اليوم السادس من الاحتجاجات المناهضة للحكومة بالعاصمة الخرطوم.

وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إن البشير اجتمع بمساعديه الأمنيين ونقلت عنه قوله إن الدولة مستمرة في “إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة”.

ونقلت وكالة الانباء الرسمية (سونا) أن السلطات “ضبطت خلية تخريبية تريد القيام بأعمال تخريبية في العاصمة كما حدث في مناطق أخرى”. وأضافت الوكالة أن الخلية “تضم أعضاء في أحزاب معارضة ولديها اتصالات مع حركات متمردة” دون ان تسمي الأحزاب او الحركات.

السعودية تحذر:

وفي خضم الأحداث حذرت السفارة السعودية في الخرطوم، رعاياها من التواجد بمناطق الاحتجاجات والاحتكاك بالمتظاهرين السودانيين، وقالت السفارة في تغريدة على “تويتر” إنها “تآمل من مواطنيها الزائرين والمقيمين بجمهورية السودان تجنب الذهاب إلى مناطق الاحتجاجات أو الاحتكاك بالمتظاهرين”.

ونشرت السفارة أرقاماً للهواتف وطلبت من رعاياها التواصل معها في الحالات الطارئة، وهذه النقطة اعتبرها البعض بمثابة مساعدة للمتظاهرين في تخريب البلاد وتأجيج الوضع الداخلي، ومنها اتهم البعض ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان بتمويل هذه المظاهرات ضد البشير بسبب تقربه من تركيا وقطر.

أجندات خارجية:

 وقال المتحدّث باسم الحزب الحاكم، إبراهيم الصديق، “هناك سببان للأحداث أحدهما الضائقة الاقتصادية وهذا مفهوم الاحتجاج ضدّه والحكومة معترفة به والناس خرجت بسبب شحّ الخبز والوقود والسيولة النقدية وهذا من حقّها”.

وأضاف “أمّا السبب الثاني فهو أجندات سياسية بعضها داخلي لأحزاب يسارية تريد خلخلة بنية الدولة وبعضها أجندة خارجية مرتبطة بالمجموعة التي أُعلن أنّها ضبطت وتنتمي لحركة عبد الواحد نور المتمردة وجاءت من اسرائيل وهي من تسببت في حرق المؤسسات”.

المتحدّث باسم الحزب الحاكم قال إنّ “أيّ تركيبة سياسية تحدث فيها تغيّرات وهذا أمر طبيعي ومطلوب، ونحن كحزب نطوّر هياكلنا باستمرار، وهذا الامر غير مرتبط بالتطورات الآنية، ونعمل في هذه الأيام على البناء الهيكلي للحزب”.

والوضع في السودان لا يمكن أن يتوقعه أحد، فالباب مفتوحا أما كل الاحتمالات، لا سيما مع بداية الكشف عن بعض الدول المجاوره والتى في مقدمتها دولة الاحتلال لتمويل هذه الاحتجاجات نكاية في البشير وعقابا له على تقربه من تركيا وقطر والتى يزعجهم وجودهم في البحر الأحمر.