تحليل يكتبه: سمير حسين زعقوق
الحكم الذي أصدرته المحكمة الخاصة في باكستان بإعدام برويز مشرف، أثار جدلا واسعًا على المستويين الباكستاني والعالمي، 1️⃣ هل كان الحكم مفاجئًا؟ 2️⃣ وهل يستحق مشرف أن يُحكم عليه بالإعدام؟ وما الأسانيد التي استندت عليها المحكمة في حكمها؟ 3️⃣ وكيف قابل الشارع الباكستاني هذا الحكم؟ 4️⃣ وبما أن مشرف رجل عسكري.. كيف قابل الجيش الباكستاني هذا الحكم؟ 5️⃣ كيف كانت علاقة القضاء وبرويز مشرف؟ 6️⃣ وكيف ستكون العلاقة بين القضاة والجيش في قابل الأيام؟ وهل يعني الحكم طعنة في قلب الجيش الحاكم الفعلي لباكستان؟
أسئلة عديدة تشغل الرأي العام حول الحكم وتداعياته، نبدأ في الإجابة عنها في السطور التالية:
1️⃣ الحكم جاء مفاجئًا للعديد من القوى السياسية، والمتابعين للشأن الباكستاني، على أساس أن الجيش الباكستاني يحمي رجاله، فقد سهل الجيش لمشرف الخروج من البلاد، دون أن يتعرض لمساءلة؛ فالجنرال كان رئيس أركان الجيش الباكستاني، والذي قاد معركة كاركيل، في جبال الهميمالايا، في حرب كاملة مع الهند في عام 1999، ثم الحاكم العسكري للبلاد بعد الانقلاب على نواز شريف، ورئيساً للحكومة العسكرية بينما ظل رئيساً للقادة المشتركين في عام 2001 ورئيس أركان الجيش. على الرغم من أنه تخلى عن منصب رئيس القادة المشتركين في عام 2001، إلا أنه ظل رئيس أركان الجيش حتى تقاعده من الجيش في عام 2007. وأصبح رئيس باكستان في 20 يونيو 2001، وفاز في استفتاء مثير للجدل في 1 مايو 2002 برئاسة البلاد لمدة خمس سنوات.
2️⃣ هل يستحق مشرف أن يُحكم عليه بالإعدام؟ وما الأسانيد التي استندت عليها المحكمة في حكمها؟
طبقًا للمادة 6 المعنونة «الخيانة العظمى»، من الدستور الباكستاني الصادر في عام 1973م،
بند1: أي شخص يُلغي الدستور أو ينقلب عليه أو يعطله أو يُوقف العمل به، أو يشرع في ذلك أو يتآمر من أجله، باستخدام القوة أو بالتهديد بها، أو بأي وسيلة غير دستورية أخرى، يُدان بتهمة الخيانة العظمى.
بند 2 أي شخص يساعد في القيام بالأعمال المذكورة في البند ( 1)، أو يحرِّض عليها أو يتعاون في تحقيقها يُدان كذلك بتهمة الخيانة العظمى.
2أ. لا يجوز لأي محكمة، بما في ذلك المحاكم الإقليمية العليا والمحكمة العليا الاتحادية، أن تُضفي الشرعية على أي من أعمال الخيانة العظمى المنصوص عليها في البند ( 1) أو البند (2)
بند 3 يقرر مجلس الشورى (البرلمان)، بموجب قانون، عقوبة المدانين بتهمة الخيانة العظمى.
طبقًا لهذه المادة فإن مشرف يُحاكم بتهمة الخيانة العظمى، وقد حكمت المحكمة الخاصة، أو المشكلة خصيصًا لمحاكمة مشرف، بالإعدام. فهل قرر البرلمان هذه العقوبة، بموجب القانون كما في البند 3 من المادة 6 المعنونة تحت الخيانة العظمى؟.. لم يقرر البرلمان العقوبة، وقد تكون هذه ثغرة في الحكم، يتم الاستناد إليها لتغيير الحكم، في حالة الاستئناف على الحكم بحضور برويز مشرف، الذي يؤكد القريبون منه أنه لن يعود لحضور الاستئناف، مما يُعقّد الأمور، ويُصعد المواجهة بين الجيش والقضاء.
3️⃣ كيف قابل الشارع الباكستاني هذا الحكم؟
استقبل الشارع الباكستاني حكم الإعدام على برويز مشرف بارتياح شديد، كما استقبلت الأحزاب الإسلامية الحكم بنفس الشعور الشعبي، وذلك لقرار برويز مشرف القاضي بهدم المسجد الأحمر، وإغلاق المدارس الدينية؛ بحجة محاربة الإرهاب.. ولكون الشارع الباكستاني يحب دينه ولا يقبل من يُحارب هذا الدين، جاء ارتياح الشارع الباكستاني بصدور حكم الإعدام بحق مشرف.
وكان لعملية هدم المسجد الأحمر بالغ الأثر على مستقبل مشرف في الحكم، وقد اعترف بذلك مشرف بنفسه قائلا: إن سبب فقدانه السلطة يعود إلى إعطائه الأوامر باقتحام المسجد الأحمر في إسلام أباد خلال يوليو 2008. وقال إن تلك العملية حولته من “بطل إلى صفر”
كما شجع مشرف على عملية الليبرالية الاجتماعية، على حساب الإسلام، وحظر النقابات العمالية، واُتهم مشرف بانتهاكات حقوق الإنسان. وشارك في معارك قانونية بعد أن أصدرت المحاكم العليا في البلاد مذكرات له لتورطه في اغتيال بيناظير بوتو، وتم استبعاد مشرف من المشاركة في الانتخابات من قبل قضاة المحكمة العليا في أبريل 2013، وفي 31 مارس 2014، تم حجز مشرف واتهامه بالخيانة العظمى لتنفيذ حكم الطوارئ وتعليق الدستور في عام 2007، وأدى إهماله للمؤسسات المدنية إلى إضعاف الدولة الباكستانية.
4️⃣ بما مشرف رجل عسكري.. كيف قابل الجيش الباكستاني هذا الحكم؟
أثار الحكم غضب الجيش الباكستاني، وعلى الفور اجتمع قادة الجيش، وأصدر بيانًا شديد اللهجة، ندّد فيه بحكم الإعدام على الرئيس العسكري السابق برويز مشرف، مشيراً إلى أن القوات المسلحة «في ألم وحزن» بسبب القرار.. وقال الجيش في بيانه إنّ برويز «قائد الجيش السابق ورئيس لجنة الأركان المشتركة ورئيس باكستان الذي خدم البلاد لأكثر من 40 عاما وخاض حروبا من أجل الدفاع عن البلاد لا يمكن أن يكون خائنا»، مضيفا «يبدو أنه تم تجاهل» إجراءات قانونية؟!
5️⃣ كيف كانت علاقة القضاء وبرويز مشرف؟
كلمة السر في هذه العلاقة هي افتخار شودري، هو قاض باكستاني شغل منصب رئيس المحكمة العليا الباكستانية. أصدر حكما بوقف العمل بقوانين الحسبة الإسلامية في باكستان، وعُرف بقراراته الصارمة ضد بعض تصرفات الحكومة وبخاصة في مجال حقوق الإنسان مما دفع الرئيس الباكستاني برويز مشرف إلى إقالته من منصبة بعد اتهامه بسوء استخدام السلطة، وعين محله قاضٍ من الأقلية الهندوسية الصغيرة بباكستان كرئيس المحكمة العليا للبلاد بالإنابة.
وقد أثار القرار ردود فعل غاضبة عُدت أخطر تحد واجه الجنرال مشرف منذ وصوله إلى الحكم عبر انقلاب 1999.
وقد أدى إقالة شودري إلى اندلاع مظاهرات عارمة في باكستان تزعمتها المعارضة، وكان شودري قد عارض قرارات الحكومة في مجالات عدة، بدءًا من ملف الفساد إلى ملف المعتقلين عند أجهزة الأمن والذين يقبعون بالسجون دون وحاكمة. وقد انتهت أزمة القضاء في باكستان بعد أن قضت محكمة لصالح عودة افتخار شودري كبيرا للقضاة من جديد.. ورحب مشرف بقرار المحكمة وأعلن أنه سيحترمه، مُجبرًا بالطبع.
ومن أبرز أحكام شودري الصارمة المقارعة لمشرف: أمره يوم 27/09/2007، بإطلاق سراح المعارضين السياسيين الذين اعتقلتهم الحكومة بشكل فوري، في تحد مباشر لمشرف.
وفي يوم السبت 3 نوفمبر 2007 أعلن الرئيس الباكستاني برفيز مشرف وبعد ساعات من إعلان حالة الطوارئ في البلاد وتعليق العمل بالدستور، إقالة رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري، مؤكدا أن كبير قضاة المحكمة العليا افتخار تشودري وثمانية قضاة رفضوا التصديق على المرسوم الدستوري المؤقت الذي أصدره مشرف، مما دفع مشرف لإقالة تشودري.
وقد اعتصم تشودري مع باقي القضاة في مقر المحكمة العليا وحاصرتهم الشرطة إثر إقالتهم جميعا وفي يوم 16/3/2009 وافقت الحكومة الباكستانية على إعادة القضاة المعزولين وبينهم رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري في خطوة تهدف إلى نزع فتيل الأزمة السياسية المتفاقمة بينها وبين المعارضة.
هذه هي قصة مشرف مع القضاة، وهي قصة درامية على طول الخط.
6️⃣ كيف ستكون العلاقة بين القضاة والجيش في قابل الأيام؟ وهل يعني الحكم طعنة في قلب الجيش الحاكم الفعلي لباكستان؟
يرى البعض أن هذا الحكم يُشكل إنذارٍ شديد اللهجة لقادة الجيش، حالة كونهم تدخلوا بالسياسة، ووقعت أخطاء، فلن يرحمهم القانون..
ورأيي أن الأمور ستسير من سيء إلى أسوأ في علاقة القضاء بالجيش الباكستاني، وأنه لن يكون بينهم شهر عسل، يعيد الأمور إلى نصابها.. ومعلوم أن الحكم لم يُغضب أحدًا في باكستان إلا مؤسسة الجيش، هي الوحيدة التي ترفض وتُعارض هذا الحكم.