- محمد تاج الدين يكتب: أبي الإسلام….! - أكتوبر 31, 2019
- محمد تاج الدين يكتب: هذا ما يُراد تغييبه عن الأمة ..! - أبريل 1, 2019
- الذبيح.. وارتقاء ظهر الكعبة المشرفة - فبراير 17, 2019
طالعتنا الأخبار من (بلاد الحرمين) بنبأين كبيرين:
– الأول: ارتقاء محمد بن سلمان ظهر الكعبة المشرفة وإخلاء المطاف من الطائفين لأجل حضوره.
– الثاني: (تأكيد) الشيخ المغامسي -في توقيت مريب- أن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل عليهما وعلى أبيهما السلام.
فأما ارتقاء ابن سلمان للكعبة فلا كلام لنا عليه، فقد حكمها المشركون وعُباد الأصنام لعهود والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر، ولكنه نسخ كل آثارهم يوم الفتح حين أمر (بلالا) بأن يرتقي الكعبة ويؤذن بتوحيد الله وتكبيره، وعليه فلا عبرة بأي عمل يقوم به محتكرو الكعبة والمتحكمون فيها، بل العبرة بالمآلات، ولم يكلف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- نفسه ولا أصحابه تحمّل همِّ تحكم المشركين في الكعبة، بل عاش لسنوات بينهم يرى الأصنام حول الكعبة، لقريش أصنامها ولكل قبيلة صنمها، وما منعه ذلك من أن يسجد و(يقترب)، وما كان تحطيم الأصنام إلا بعد (21) عاما من البعثة، ولو اشتغل بتحطيم الأصنام المادية لانشغل عن تحطيم الأصنام المعنوية في النفوس، ولكن من فقه النبوة البدء بأصنام المعنى قبل أصنام المادة، فهذه الأخيرة تسقط تباعا ولا يعترض أحد على سقوطها إن كانت أصنام المعنى قد زالت من النفوس.
أما إخلاء المطاف لابن سلمان فليس إلا أقل جرائم الصادّين عن البيت الحرام، وما جنوه من الصد أكبر وأكثر، وقد قال تعالى عن حكامٍ مشركين للحرم انقرضوا: {ويصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون}، وقبلها: {وما لهم ألا يعذبهم الله..} وختامها: {ولكن أكثرهم لا يعلمون}، ليتبين أن عذاب أولئك حتمي لاحق لا يعجل بعجلتنا، وليتبين من ظنوا (آل سعود) من المتقين أنهم {لا يعلمون} أنهم فاسقون بل منافقون لا متقون ..ولا ولاية لهم على الحرم إلا بالقوة التي ستغيرها سنة الله رغم أنوفهم ..!
وإن كان في ارتقاء عميل ترامب على الكعبة نية استعلاء وإرسال رسالة إلى كل مسلم أني فوق (قبلتكم) فتلك نية لا يجيب عنها المسلمون، بل جزاؤها عند عالم النوايا (سبحانه)..!
أما ما ذكره المغامسي فإن من أورد الخبر أورده على هيئة (الاكتشاف)، و(الرأي الجديد)، وذلك للجهل الكبير، فإن الاختلاف في تعيين الذبيح قديم ومعلوم، ولا شأن لنا بما يقوله أهل الكتاب، إنما نقصد أن القول بأن الذبيح إسحاق عليه السلام هو قول جمهور من أمة الإسلام، فلم يأت المغامسي بجديد أبدا إلا جديد التوقيت، وإن كان في كلامه زلفى وتقرب من ابن سلمان إلى (الصهاينة) الذي ثبّتوا عرشه بعد عاصفة خاشقجي فإن الشيخ قد انتكس انتكاسته الكبرى وأشبه (بلعام)، ولكن علينا أن نعلم أن القول بأن الذبيح هو إسحاق -عليه السلام- هو قول جمع من الصحابة كعمر وابن عباس وابن مسعود وجم من التابعين، وهو اختيار شيخ المفسرين الطبري، والأمر مجرد اجتهاد، ولا يغير من قدر النبيين العظيمين شيئا، فكلاهما مقدسان عندنا، ولسنا كبني إسرائيل نؤمن ببعض ونكفر ببعض، والتركيز في شأن الذبح على (إبراهيم) عليه السلام أكثر من ولديه: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين}، وإنما يدافع بنو إسرائيل عن كون الذبيح إسحاق ليؤكدوا أولويته بأبيه ونفي أولوية إسماعيل، وتلك نظرة لا تليق بالإنسانية فضلا عن الدين الحق، على أن غالبية ما أخذه الصحابة والتابعون من كون الذبيح هو إسحاق إنما أخذوه من قول أهل الكتاب، وما لهم من نص قرآني ولا نبوي في ذلك، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:(لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) الآية، وإنما قال لهم ذلك فيما لا يخالف عقيدته ودينه من أخبار الإخباريين، ولاحترامه-صلى الله عليه وآله وسلم- التوارة الحقيقية وإن كان قد وقع التحريف فيها، فهو يحسب حساب ما لم يحرف، وحتى القرآن نجده يؤكد دخول التحريف على التوراة، ولكنه لا يحكم بأنها كلها محرفة، وإلا فما معنى قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}، وقوله: {وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله..}، وقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا..}؟ ولأجل هذا أمر صلى الله عليه وسلم أن لا يًصدّق أهل الكتاب ولا يكذبوا، وذلك فيما يتعلق بالأخبار غير المعارضة للأصول، ومن هنا أخذ الصحابة وغيرهم ببعض كلام أهل الكتاب في شأن الذبيح، وهو كأصله، لا يصدق ولا يكذب، وما لنا من فائدة إيمانية نجنيها من تحديد الذبيح.
على أنه فُتِح لي في الأمر باب تدبّر واجتهاد، ولله العلم بمراده، وذلك أنني سمعت أن التوراة تكلمت عن الذبيح وكونه (وحيد إبراهيم)، وهي أثبتت أن إسماعيل بكر إبراهيم، ولد قبل إسحاق، ونسي (محرف التوراة) هذا حين أشار إلى كون إسحاق وحيد إبراهيم، ففي سفر التكوين: (وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم ، فقال له : يا إبراهيم، خذ ابنك وحيدك!!، الذي تحبهُ إسحاق واذهب إلى أرض المُريّا..)، فكيف يكون وحيده والتوراة نفسها تثبت ولادة إسماعيل قبله؟ ولا ريب أن عبارة (وحيدك إسحاق) زيادة بشرية فضحها ما سبق من شأن كلام التوراة عن إسماعيل.
وأجلى من هذا يظهر لي، فقد نظرت إلى سياق قصة الذبيح في القرآن فوجدت الله تعالى قال بعد تمامها: {وبشرناه بإسحاق نبيا}، وذلك يقتضي أن الذبيح غير إسحاق، وأجلى من هذا قوله تعالى عن سارة -عليها السلام-: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}، وهذا -عندي – دليل قطعي على أن الذبيح إسماعيل، فإنه لا يمكن أن تأتي البشارة بإسحاق ثم يكون الأمر بالذبح بعد البشارة، وأي بشارة يكون الذبح بعدها، وأجلى من هذا أن البشارة وقعت بـ(يعقوب) عليه السلام بعد إسحاق، فإبراهيم وسارة بُشّرا بإلابن والحفيد معا، فكيف يكون للأمر بذبح إسحاق معنى إذا كان مضمون البشارة أنه سيكبر ويكون له ولد؟
قد يقول قائل: كيف لم يفهم بعض الصحابة هذا وفهمته أنت؟ فالجواب: أن بعض الصحابة فهموا أن الذبيح إسماعيل، ففهمي تبع لأولئك، ثم إن الأمر كان اجتهادا من الصحابة ولم يكن فهما لازما.. رضي الله عنهم.
هذه لـ(المغامسي)، ولولا أنه نطق ما نطقنا …
والله أعلم…