كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يجمع بين التوجيه ومراعاة الحاجات النفسية للشباب، ويتفرس في مواهبهم ليسند إليهم مهاما تناسب قدراتهم
فعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً،
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَقِيقًا؛ فَظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا؟
فَأَخْبَرْنَاهُ.
فَقَالَ: (ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) (متفق عليه).
فانظر كيف أقام لهم تلك الدورة التوجيهية والتربوية لمدة عشرين يومًا ومن بعد ذلك يسألهم عن أحوالهم وعن أهليهم؟!
وفي هذا مزيد تعرف عليهم، وفيه تقرب وإزالة حواجز، وإدراك من الداعية الحصيف لأهمية إظهار الاهتمام بالشؤون الشخصية العامة لكل من يدعوهم؛ ليحل المشاكل، أو ليتعرف على المواهب؛ وليستخرج ما لدى كل واحد منهم من معارف وعلاقات.
ثم بعد ذلك يوصيهم بما يجب عليهم من الدعوة والتعليم، وتطبيق ما تعلموه منه، وهذا توجيه مباشر ومجمل، ثم يوصيهم بأهم وصية يجب الاعتناء بها، وهي: الصلاة، يصلونها كما رأوه -صلى الله عليه وسلم- يصليها، وبعدها يرشدهم إلى عدم إغفال من هم أكبر منهم حتى لا تأخذ الشباب فورة القوة، والفرح بما عندهم فيتنكرون للكبار.
وانظر كيف يتفرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الشاب -بعد مثل تلك الجلسات-، ويطلع على قدراته ومواهبه؛ فيسند له مهامًا كبيرة؛
فيرسل مصعبًا إلى المدينة مبلغًا عنه دين الله -تعالى-، فما أخطأت فراسته فيه -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ فتح الله قلوب أهل المدينة وسادتها على يديه، وبحسن منطقه وكريم خلقه استطاع أن يكسب القلوب، ويمهد الطريق للدولة المسلمة، وبرأيي أن لمصعب -رضي الله عنه- منة على المسلمين جميعًا -حاشا رسول الله- بهذا العمل!
وقلْ مثل ذلك في تقديره -صلى الله عليه وسلم- لمواهب زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، وإسناده مهمة غاية في الأهمية بالنسبة لأي حاكم،
وهي: أن يترجم له ويفحص ما يكتب عنه فيما بينه وبين اليهود، وكما نعلم أن مثل هذه المهمة خطيرة بسبب ما كان بين المسلمين واليهود من حساسية في ذلك الوقت،
وهذا ما حدث به زيد عن نفسه؛ فعَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، قَالَ زَيْدٌ: ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُعْجِبَ بِي. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا غُلامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً؛ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي -وَاللَّهِ- مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي) قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ. (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
فالشباب بحاجة إلى تقدير وإلى إعادة اكتشاف، وإلى إعطاء فرصة تتناسب مع قدراتهم -وليس مع وسائطهم ولا مجاملة لهم- في زمن صار تجاهل المواهب، وترك تقديرها، واحتكار الفرص ديدن الكبار في أغلب المجالات -إلا من رحم الله!-
- فرنسا مستعدة لطي صفحة فرنجية.. ولكن - يونيو 24, 2023
- الرئيس أردوغان وكلمة عن خطاب الكراهية والغطرسة والنفاق - يونيو 21, 2023
- د. ياسر عبد التواب يكتب: ما لا يتم الواجب إلا به.. في الدعوة والإعلام - يونيو 21, 2023