الشيخ محمد متولي الشعراوي

الشيخ محمد متولي الشعراوي ابن دقادوس، ميت غمر، محافظة الدقهلية، مصر.. الذي استوعب تفسيره الشفهي للقرآن الكريم العوام والخواص، فكنت ترى أثناء دروسه، آذان صاغية وعيون شاخصة.. أعناق مشرئبة وقلوب تنصت بإيمان.. الصغير والكبير والمتعلم والأمي، الكل متحلق حول كرسي ليستمع إلى الخواطر الإيمانية للشيخ الشعراوي، يحدثهم بلغتهم البسيطة، لا يقاطع حديثه إلا ابتسامات الجمهور أو مناجاة لله العلي العليم، أو كلمة “الله” ممدودة بعض الشيء دليلاً على فهم ما كان غامضا.

 

هكذا كانت الصورة التي تعودت عليها معظم بيوت مصر والعالم العربي كل جمعة، طيلة 25 عاما أطل فيها الشيخ الشعراوي على البيوت من خلال شاشات التلفاز في عام 1973، حتى وفاته في 1998، عن 87 عاما، ليجمع بأسلوبه السهل البسيط وبحديثه الشيق، قلوب المصريين والعرب.

 

حالة من الجدل سادت المجتمع المصري، خلال الأيام الماضية، بشأن انتقاد الإعلامية المصرية أسماء شريف منير للشيخ محمد متولي الشعراوي عبر صفحتها الشخصية على موقع “فيسبوك”، ليهاجم عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي منشور أسماء منير، الذي وصفوه بـ”الانتقاد الحاد” لعالم دين جليل، بعد أن وصفت دروس الشيخ الشعراوي بالمتطرفة.

 

وعلى الرغم من تقديم أسماء منير اعتذارا عبر صفحتها الشخصية ومحاولة توضيح الأمر، فإن عددا من أعضاء مجلس النواب المصري طالبوا بضرورة تطبيق القانون الذي يجرم الإساءة للشخصيات العامة.

 

ويعد الشيخ محمد متولي الشعراوي من أهم علماء الدين ومفسري القرآن الكريم في العصر الحديث، وكان معروفا بطريقته المبسطة في الشرح، ما جعله من أكثر علماء الدين القادرين للوصول إلى شريحة كبيرة من المسلمين بالعالم باختلاف ثقافتهم.

 

التبحر في القرآن الكريم

 

منذ صغره، حرص الشيخ متولي الشعراوي على التبحر في القرآن الكريم واستكمال دراسته رغم انتمائه لأسرة مصرية بسيطة. ولد محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل 1911 في قرية “دقادوس” بمحافظة الدقهلية دلتا مصر، واعتاد الشعراوي الذهاب إلى كتاب قريته حتى نجح في حفظ القرآن وهو في سن لا يتجاوز 11 عاما.

 

دفعت هذه الخطوة الطفل الصغير إلى الاطلاع على الدين والقراءة بشكل أعمق في نصوصه، واتجه في مرحلة صغيرة من حياته إلى حفظ النثر والشعر حتى اختير رئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، الأمر الذي جعله شخصية قيادية في الحياة العامة حتى تولى مسؤولية اتحاد الطلبة بجامعة الأزهر عام 1934.

 

كلية اللغة العربية

 

درس الشعراوي في كلية اللغة العربية وظل مهتما بدروسه حتى تخرجه في عام 1941، وطوال هذه الفترة تميز بإلقاء الدروس في المساجد قبل أن يبدأ حياته المهنية بالتدريس في المعاهد الأزهرية في مدن الزقازيق وطنطا والإسكندرية، قبل أن ينتقل بعلمه وخبرته إلى المعاهد في الجزائر والسعودية.

 

وفي عام 1950 بدأ التدريس في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، واستكمل التدريس في جامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة قبل أن يعود إلى مصر عام 1961.

 

وزيرًا للأوقاف

 

بعد عودة الشيخ الشعراوي إلى مصر، تولي في حقبة السبعينيات منصب وكيل معد طنطا الأزهري، ومسئول الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية ومفتشا للعلوم العربية بالوزارة نفسها، قبل أن يعين مديرا لمكتب شيخ الأزهر وقتها حسن مأمون عام 1964.

 

لم يتوقف عطاء الشيخ الشعراوي لخدمة الدين الإسلامي في مصر والسعودية فقط، بل امتد إلى دول عربية أخرى مثل الجزائر، بعد أن اختير رئيسا لبعثة التعريب الأزهرية عام 1966 لمعاونة الحكومة الجزائرية وقتها في إعادة قواعد الدين السليم عقب التخلص من الاحتلال الفرنسي، ونجح وقتها في وضع مناهج دراسية جديدة باللغة العربية بالمدارس الجزائرية.

 

وفي عام 1970 عاد الشيخ الشعراوي من جديد إلى المملكة العربية السعودية، لاستكمال مهمته في التدريس، وأصبح أستاذا زائرا في كلية الشريعة ورئيسيا للدراسات العليا بجامعة الملك عبدالعزيز.

 

وعلى الرغم من أن الشعراوي كان يفضل طوال الوقت نقل خبراته في العلم والدين إلى آخرين، عبر دروس المساجد والتدريس في الكليات والمعاهد الأزهرية، فإنه اختير من قبل الرئيس المصري الراحل أنور السادات ليكون وزيرا للأوقاف عام 1976.

 

وسرعان ما تقدم الشيخ الشعراوي باستقالته من المنصب نهاية عام 1978، ليصبح بعدها عضوا بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، إَضافة إلى اختياره عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، نظرا لارتباط دراسته بهذا التخصص وتبحره في الآدب ونصوصه والشعر.

 

برنامج “نور على نور”

 

في سبعينيات القرن الماضي، عاد الشعراوي إلى تقديم الدروس المسجدية وتفسير القرآن الكريم، وهي المهمة التي تميز بها وسط علماء الدين الإسلامي.

 

في هذه المرة لم تقتصر الدروس على المساجد فقط، بل دعمته الدولة المصرية بتخصيص برنامج “نور على نور” له لمدة عشرات السنوات المتواصلة بداية من عام 1973، وتدريجيا أصبحت دروس الشيخ الشعراوي جزءا أساسيا من حياة المصريين، بمشاهدة البث التليفزيوني الثابت “خواطر إيمانية” التي يفسر فيها آيات ونصوص القرآن الكريم.

 

حرص الشيخ الشعرواي على نقل خبرته العلمية إلى كتب ومؤلفات عديدة مثل “المنتخب في تفسير القرآن الكريم” و”نظرات في القرآن الكريم” و”على مائدة الفكر الإسلامي” و”الإسلام والفكر المعاصر” و”مئة سؤال وجواب في الفقه الإسلامي” و”الطريق إلى الله” و”الشورى والتشريع في الإسلام”.

 

ونظرا لدوره في المجتمع المصري، حصل على عدة أوسمة وجوائز بداية من وسام الاستحقاق لتقاعده عام 1976، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر عام 1983 ووسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988.

 

وظلت إسهامات الشيخ الشعراوي في الدين وتفسير القرآن ممتدة حتى أن توفي في 17 يونيو 1998.