شهران من الاضطرابات في العراق، وفشل كل المحاولات الرسمية وغير الرسمية، وحتى استخدام ورقة المرجعيات أو القوة فشلت جميعها في وقف هذه الاضطرابات وإثناء العراقيين عن مطالبهم، واستمرارهم في التظاهر حتى تتحقق.
وبعد قبول البرلمان العراقي لاستقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية سيناريوهات المرحلة المقبلة، وقالت إن هذه الخطوة لا تعني نهاية القلاقل التي أرَّقت البلاد خلال الأسابيع الماضية.
تشكيل الحكومة
وتقول نيويورك تايمز إن عملية تشكيل حكومة جديدة ستنطلق سريعًا إلا أن الفراغ منها سيستغرق على الأرجح أسابيع إن لم يكن شهورًا، حيث أن السوابق التاريخية توحي أن اختيار رئيس للوزراء عملية طويلة وشاقة تخضع لتوازنات بين الفصائل السياسية المتنافسة، ولهذا السبب ما لبثت فرحة المتظاهرين أن تبددت.
وسيظل عبد المهدي ووزراؤه يعملون في حكومة تتولى تصريف الأعمال إلى حين تكليف رئيس الجمهورية برهم صالح أكبر كتلة برلمانية بتعيين رئيس جديد للوزراء، قبل أن توافق أغلبية النواب على الأسماء التي سيرشحها لتولي الحقائب الوزارية.
دور إيران
فشلت كل مساعي العراقيين في 2018 في تشكيل حكومة حتى تدخلت إيران وارتضت وباركت تعيين عبد المهدي رئيسا للوزراء، وبرهم صالح رئيسًا للجمهورية، ومحمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان.
فهل ستلعب إيران نفس الدور في ظل الرفض العراقي الواسع لكل السياسيين الموالين لطهران، ولكل ما هو إيراني؟
وترى صحيفة نيويورك تايمز، أن انخراط إيران المباشر في عملية اختيار حكومة جديدة ربما يشكل عقبة كبرى بالنظر إلى الاستياء الواضح الذي يبديه العراقيون حاليا منها.
وإذا كان ثمة أمر واضح، فهو أن العراق دولة ذات غالبية شيعية وكذلك إيران، لكن ذلك لا يعني أن شيعة البلدين يتقاسمان الأفكار نفسها.
أما الولايات المتحدة، ورغم أنها كانت تأمل في رؤية إصلاحات سياسية في العراق ولا سيما في محاربة الفساد، فقد كانت ترغب في بقاء عبد المهدي في منصبه، وهي تشعر بالقلق من أن استقالته ربما تؤدي إلى المزيد من سفك الدماء.
اقتتال شيعي
وفي ظل الاضطرابات العراقية، جرت اشتباكات شيعية شيعية في النجف وأعلن الصدر أنه سيقف بوجه مشاركة الأحزاب بتشكيل الحكومة الجديدة.
ومن جانبها أعلنت المحافظات الجنوبية المثنى والنجف والديوانية وبابل وديالى وكربلاء وذي قار وواسط والبصرة الحداد على أرواح ضحايا المواجهات مع القوات الأمنية بين يوم وثلاثة فيما وجه ناشطو محافظة الأنبار نداءً إلى المحافظات الغربية والشمالية الموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك والأنبار للاعتصام اليوم تضامنًا مع الاحتجاجات الداعية للإصلاح الشامل.
وشهدت مدينة النجف الليلة الماضية اشتباكًا بين مسلحين من التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري إثر إحراق مرقد محمد باقر الحكيم، حيث تم اتهام عناصر التيار بالوقوف وراء إضرام النار في المبنى.
وقالت الشرطة ومتظاهر إن المحتجين أضرموا النار في مدخل الضريح بمدينة النجف، وإن قوات الأمن ردت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم ثم تدخلت مليشيات بدر متهمة الصدريين بالمشاركة في عملية الحرق ما فجر اشتباكات مسلحة دامية بين الفصيلين اشتركت فيها مليشيا سرايا عاشوراء التابعة لعمار الحكيم رئيس تيار الحكمة.
الصدر ينفي
ومن جانبه، نفى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن يكون معظم المتظاهرين من أتباعه ممن يحرقون ويعمدون الحرق في النجف وقال “إنهم وإن كانوا من أتباعي إلا أنهم عراقيون وهم ينتصرون لبلدهم من دون إيعاز مباشر مني وإن ما يحدث من أعمال عنف وشغب من بعض المتظاهرين يسندونه إلى (اتباعي) من المتظاهرين بدون دليل”.
وقال في بيان صحفي، أنه “وإن كنت متعاطفًا معهم قلبًا وقالبًا.. إلا أن المشكلة هو استمرار العنف الصادر من المتظاهرين سواء ممن هم من أتباعي أم لا.. فإنني لا أفرق بين عراقي وآخر إلا بمقدار حبه لوطنه.. نعم لقد استمر العنف حتى بعد استقالة الحكومة.. وهذا ما سيكون منطلقًا لاضمحلال تعاطفي معهم”.
وأضاف “إن كان بعض المتظاهرين من أتباعنا وما زالوا يأتمرون بأمري.. فإني لم ولن أقول لهم عودوا إلى منازلكم ولا تتظاهروا فهو حقهم بل وكم أتمنى أن أكون أحدهم وبينهم ولكن غاية الأمر أنني آمرهم بعدم استعمال العنف مطلقا.. بل يبقون على اعتصامهم وإضرابهم (الجزئي) إن شاؤوا.. بل وإني أبرأ من أي منهم ومن المتظاهرين الذين يعمدون إلى الحرق والقتل وتعريض المدنيين إلى الخطر وتعريض المقدسات والعلماء ومراقد العلماء للخطر جهلًا أو عمدًا”.
ودعا المتظاهرين إلى “التزام السلمية وإبعاد المحافظات المقدسة عن العنف والأذى وخصوصًا بعد الاستقالة.. وسوف لن ننسى جهودهم الجبارة بل سنطالب بالقصاص العادل ممن نالوا منهم فشهداء الثورة شهداؤنا.. إن العراق في ذمتكم فلا تفرطوا به لا من قريب ولا من بعيد. وإنني لم ولن أسمح بعودة الفاسدين بثوب آخر وبمسميات أخرى وسنمنع كل الأحزاب والتيارات كما منعنا (التيار الصدري) من التدخل في تشكيل الحكومة والمفوضية وقانونها وسوف نضغط بمعيتهم وسلميتهم (المحتجين) على القضاء لمحاسبة الفاسدين والسراق وإن كانوا يدعون الانتماء لنا فضلًا عن من هم خارجين عنا”.
وأدانت الأمم المتحدة إزهاق الأرواح في المواجهات بين المتظاهرين وأجهزة الأمن في البلاد، والتي أودت بحياة 418 شخصًا بحسب التقديرات الأممية، وقالت إنه أمر لا “يمكن السكوت عنه”.. فيما دعت الولايات المتحدة المسؤولين العراقيين إلى معالجة مطالب المتحجين.
استقالتها لا تكفي
واعلن معتصمو ساحة التحرير بوسط بغداد مساء أمس السبت، موقفهم من تقديم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته مكتوبة إلى البرلمان ليصوت عليها اليوم، مؤكدين أنها متأخرة وليست الحل ولذلك فهم مستمرون في حراكهم معلنين عن مطالبهم الجديدة.
وجاء في بيان صحفي للمعتصمين:
“إن الاستقالة تأخرت كثيرًا وليست هي الحل خصوصًا بعد سفك الدماء، ولكن ليست هي الهدف النهائي فهنالك أهداف يجب تنفيذها لإنجاز النصر لانتفاضة تشرين.
لذا نحن مستمرون لحين استقالة الحكومة بأكملها وإلغاء البرلمان وتعديل الدستور ولا نريد أيًا منكم أن يلزم الحكم مرة أخرى أو حتى في التفكير أن يرشح للانتخابات، وكذلك محاكمتهم واسترداد الأموال منهم وحل جميع أحزاب وتسليم العراق للعراقيين.
الجميع يرحل.
معتصمو ساحة التحرير”.
رغد تغرد
ومن جانبها، نشرت رغد الابنة الكبرى للرئيس العراقي السابق صدام حسين المقيمة في الأردن بضيافة حكومتها تغريدة على حسابها بشبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” بعنوان “رسالة للعراقيين” تعليقًا على الأحداث التي تشهدها العراق وخاصة سقوط ضحايا بالعشرات في محافظتي النجف وذي قار.
وقالت رغد في رسالتها “كانوا يتصورون أن بإمكانهم أن يضعوا السلاسل في رقابكم ويأخذوكم إلى طهران ويلحقون العراق كضيعة صغيرة تابعة إلى بلاد فارس.. ولكن خيبتم ظنهم وراح تزيدوهم تلقين الدروس اللي يستحقونها”.
ما بعد الاستقالة
وتوضح الآلية الدستورية لإقالة الحكومة واختيار بديل لها عدة خطوات أولها موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبًا وذلك طبقاً للمادة 81 أولاً، وبموجب هذه الآلية فإن رئيس الجمهورية برهم صالح هو من يتولى رئاسة الحكومة عند خلو المنصب.
ثم يكلف رئيس الجمهورية في مدة أقصاها 15 يوماً مرشحاً آخر لتشكيل الحكومة وفقاً للمادة 76 من الدستور ويمكن لخمس أعضاء البرلمان الطلب من رئاسة البرلمان استجواب رئيس مجلس الوزراء وللأسباب المقدمة منهم ويمكن إقالة الحكومة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء البرلمان وتعد الحكومة مستقيلة في حالة إقالة رئيسها.
جدير بالذكر أن هذه الاحتجاجات بدأت في الأول من شهر أكتوبر الماضي، وسقط خلالها أكثر من 418 قتيلاً وحوالي 16 ألف جريح مطالبة في البداية بتأمين فرص عمل وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد قبل أن تتوسع بصورة غير مسبوقة وتشمل المطالب رحيل الحكومة والنخبة السياسية المتهمة بالفساد.