يقول العلامة ابن خلدون:”إنّ معظم كوارث العالم بسبب أننا نقول “نعم” بسرعة ولا نقول “لا” ببطء”.

 

وهو بالفعل ما سوف يؤدي إلى الكارثة في الجزائر، فالشعب الجزائري إن قال “نعم” للانتخابات في ظل هذه الانقسامات بين مؤيِّد ومعارض،فإنه سوف ينزلق إلى الكارثة بإرادة ليس له فيها إي إرادة، سوى أنه سيكون كممثل ثانوي في مسرحية انتخابية، مهمّته فيها أن يرمي بورقة مترشح رضع من حليب نظام العصابة من غير فطام، ثم ينتهي دوره بمنحه الشرعية لانتخابات غير شرعية، هذه التي زعموا أنهم أسّسوا لأجلها سلطة وطنية مستقلة للانتخابات.

 

غير أنّ المشرف عليها هو محمد شرفي الذي كان وزيرًا للعدل في عهد الرئيس المعزول بوتفليقة والعصابة، هذا الأخير الذي أخبر أنه يعتمد آلية جديدة للكشف عن التزوير في الانتخابات، غير أنه لم يكشف حتى إن كانت هذه الآلية تقنية أم بشرية، ليبلغ العبث والتضليل أقصاه، وتتحول السياسة في الجزائر إلى طلاسم عرّافين لا يفهمها إلا المنجّمين، وتتم هذه الانتخابات بالرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، وهو الرئيس السابق لمجلس الأمة في عهد بوتفليقة، والوزير الأول نور الدين بدوي، والذي كان أيضًا وزيرًا في حكومة عبد المالك سلال وأحمد أويحي المحكوم عليهما بالسجن.

 

ولم يكتفوا بهذا القدر من أزلام النظام، بل أيضًا اختاروا خمسة مرشحين جميعهم لهم وشائج لا تنقطع مع النظام، فالمرشح «علي بن فليس» هو رئيس حكومة سابق في عهد بوتفليقة، وأيضًا مدير حملته الانتخابية سنة تسعة وتسعون وتسعمائة وألف، تلك السنة التي انسحب من ترشيحاتها الرئاسية كثير من الشخصيات، كطالب الإبراهيمي، مولود حمروش وعبد الله جاب الله، وحين سُئل عن كيفية تغييره لنظام هو نفسه قد خرج من رحمه، أجاب بأنه كانت له مواقف معارضة، كاعتراضه على الزّج بآلاف من الجزائريين في السجون لمجرد تعبيرهم عن رأيهم، وأنّ ذلك لا يليق بالجزائر المستقلة، وكأنّ الجزائر اليوم تعيش حقبة استعمارية، ولذلك فقد التزم الصمت، واستمر في ترشحه لهذه المهزلة الانتخابية رغم رؤيته لمئات الاعتقالات في حق شباب تظاهروا بسلمية، وبحق مجاهد اغتالوا باعتقاله الرمزية الخالدة للثورة الجزائرية.

 

أما المرشح «عز الدين ميهوبي» فقد كان وزير الثقافة في الفترة البوتفليقية، ولا تحفظ له الثقافة الجزائرية سوى أنه أدخل تاريخ الجزائر المزاد، واشترى من أحفاد جنرال فرنسي رسائل مؤسّس الدولة الجزائرية «الأمير عبد القادر» بمبلغ ضخم، وكأنّ تلك الرسائل من الإرث الفرنسي وليس الجزائري، ناهيك عن فيلم لشخصية جزائرية تاريخية خصص له مبلغ مائتي مليار سنتيم، ليتوقف الفيلم وتسير المبالغ إلى جيوب المنتِج والمخرج بعقد واتفاقية.

 

أما «عبد القادر بن قرينة» الذي يُحسب على التيار الإسلامي، فقد كان هو الآخر وزيرًا للسياحة في عهد المعزول بوتفليقة، ويبدو أنه يهوَى السياحة حتى في الخيال، فرأى نفسه المناسب لرئاسة الجزائر لمجرد ركوبه الشاحنة نفسها التي ركبها بوتفليقة، ففي ظنه يكفي أن تُحسن ركوب شاحنة لتُحسن قيادة الجزائر.

 

وتستمر الكوميديا السوداء بـ«عبد المجيد تبون» الذي كان أيضًا في حكومة بوتفليقة، وهو الذي صرّح عن العهدة الخامسة التي أسقطها الشعب الجزائري بقوله: “ما يربطني ببوتفليقة هي صداقة لا تتزعزع منذ ما يقارب ثلاثين عامًا، وما يربطني بفخامة الرئيس هو الإخلاص الذي لا يتغيّر”.

 

أما «عبد العزيز بلعيد» وإن كان أقل المرشحين شهرةً، إلا أنه ليس أقلّهم ولاءً لبوتفليقة، حيث أنه حين طُلب منه التعليق على الحالة السيئة التي بدا عليها بوتفليقة وهو يؤدي اليمين الدستورية للعهدة الرابعة قال: “بوتفليقة في كامل قواه العقلية”وعن إمكانية تأديته لمهامه وهو بتلك الحالة السيئة فقد قال:”إنّ الشعب انتخبه”.

 

هذه هي المهزلة الانتخابية التي سيُقتل بها حلم حراك شعب جزائري خرج بمليونية سلمية لتسعة أشهر كاملة،رافضًا حكم العصابة،كل العاصبة، وطامحًا بالحرية،العدالة واستكمال الاستقلال وبمطالب واضحة لا تعمى عليها عين بصير، وهي تطبيق المادة السابعة والثامنة وتسليم السلطة للشعب، فأين الشعب الجزائري مِن السلطة؟

بادية شكاط

من بادية شكاط

كاتبة في الفكر.. السياسة وقضايا الأمة ممثلة الجزائر في منظمة «إعلاميون حول العالم في النمسا»