وها قد تم الانقلاب التام على الدستور الذي صوت عليه المصريون، وأقسم رئيس الدولة على احترامه والعمل بمقتضاه، وها هو المشهد يعد لمرحلة قادمة من الاستبداد ربما كانت أشد قسوة مما عرف المصريون في تاريخهم الحديث من استبداد، لذلك من الصواب أن نقول: انقلاب دستوري كامل وليس مجرد تعديلات دستورية.

 

وفي ظل هذه الظروف السيئة التي تعيشها الدولة المصرية، وهذه الحملات المستمرة على كل الأصوات المعارضة، والتي يمكن أن تقدم بديلا معقولا يمكن أن تطمئن إليه الدول المركزية الكبرى صاحبة القول الفصل في اعتماد أي تغيير جوهري أو السماح به، وفي ظل تلك الهجمة الشرسة على المجتمع المدني نفسه ومحاولة تحجيم قدراته على الحركة السلمية في مواجهة قوى غاشمة وغشيمة يثور التساؤل حول أي الطرق تسلك حركة المعارضة المدنية، فالظرف العام محليا ودوليا غير موات للتغيير أو حتى الإصلاح الحقيقي، وهو في جملته في غير صالح حركة الحريات المدنية في البلدان العربية بعد تقويض الربيع العربي، والانتصار المؤقت للثورة المضادة.

 

لكن هل ثمة طريق تلتمسه حركة المعارضة للحفاظ على مكتسبات ثورات الربيع التي تحققت خلال السنوات الماضية ويقلل حجم الخسائر المتوقعة إلى أقصى حد في الفترة القادمة؟

 

هل يمكن فتح باب الإصلاح أو التغيير دون كسر الباب ودون هدم الجدار؟

 

تلك هي المعضلة التي تواجه أي حركة تغيير في مجتمع تم فيه تأميم المجال العام ومصادرة السياسة واعتبار المعارضة السياسية للنظام – حتى ضمن الشروط الدستورية- خيانة للدولة.

 

ولا شك أن سلوك النظام الحاكم سيقوم بدور المحدد الأساسي لاختيارات المعارضة، وذلك بحكم حركة الواقع، وبحكم حركة القصور الذاتي الذي تشهده المعارضة، وفي ضوء هذه المحددات السابقة ما هي الاختيارات والبدائل المقترحة في مواجهة هذا الانتصار المؤقت للثورة المضادة؟

 

ربما كان مسار التصعيد أحد المسارات المحتملة حيث شهدت السنوات الماضية تصعيدا متبادلا ما بين الثورة والثورة المضادة وكان لكل طرف حساباته في عملية التصعيد المتوالي.

 

فضغط سنوات الغليان من بعد ثورة 25 يناير 2011 تزامن مع ضغط غربي مقابل حتى تم الانتصار المؤقت للثورة المضادة، لكن استمرار الضغط على نظام 3 يوليو يظهر في العناوين الكاشفة لوضع النظام في الدولة المصرية باعتباره نظاما استبداديا لا يبشر بأي أفق على مستوى الانفتاح السياسي.

 

 

لكن يظل التساؤل: هل يملك نظام انكشف اقتصاديا وسياسيا وتخطت حدود فشله في إدارة الملفات الحيوية كالأرض والمياه ومواجهة الإرهاب مقومات الدخول في معركة سياسية تؤسس للاستبداد لسنوات طويلة وهو قد أوشكت قدرته على مواجهة الضغط الشعبي على النفاد جراء تداعيات الفشل خاصة على المستوى الاقتصادي وموجات الغلاء التي لم تعرف البلاد لها مثيلا.

 

لكن كذلك: هل تملك القوى المدنية طرح بديل يصمد أمام المواجهة بعد أن فتحت الدولة عليه نيرانها من كل حدب وصوب وقامت بشيطنة كل حركة معارضة.

 

ويبقى البحث عن مسارات مفتوحة داخل مسار التصعيد بما يخفف من قوة الضربات التي يكيلها النظام لحركة المعارضة المدنية وبما يسهم في محاولة المعارضة التأثير على شكل الحركة السياسية ذلك أن أي مسار تصعيدي يجب أن محكوما ومنضبطا برؤية سياسية وواقعية، تدرك سقف المواجهة وحدود الواقع.

 

وربما كان مسار البحث عن قنوات بديلة للمواجهة والتصعيد أفضل اختيار من ناحية تقليل كلفات المواجهة ومحاولة تحجيم خسائرها، فالأزمة بين القوى السياسية والنظام مردها إلى أمرين:

 

الأول: هندسة المشهد لمرحلة من الاستبداد قد تطول مع مزيد الغلاء جراء تحميل الطبقات الأشد فقرا كلفة ما يسمى -زورا- بالإصلاح الاقتصادي.

 

الثاني: سيطرة عقلية الهيمنة وإقصاء المعارضين على العقل السياسي للنظام.

 

ومن ثم فإن البحث عن قنوات بديلة لمواجهة الاستبداد تفرضه طبيعة الإدارة السياسية القائمة التي تحسب كل صيحة عليها هي العدو وتتعامل مع كل حركة معارضة باعتبارها “مباراة صفرية” لا يمكن القبول فيها بمبدأ الهزيمة ولو في جولة واحدة منها ومن ثم تمارس إزائها عنفا غير مبرر بدءا من الإعدام المعنوي عبر عمليات ممنهجة من التصفية والتشهير، مرورا بأذرع إعلامية وقانونية تدخل المستهدفين في سلسلة من المواجهات التي لا قبل لهم بها، انتهاء بمحاكمات لا تتوفر فيها أدنى معايير النزاهة.

 

ويظل المخرج الوحيد هو قيام حركة معارضة مدنية فاعلة تمثل بديلا حقيقيا ولو على مستوى التصور وشبكة العلاقات والامتدادات الاجتماعية والسياسية والعسكرية داخل دوائر النخبة الحاكمة وتطرح رموزا قوية تحظى بحد كبير من القبول الشعبي حتى يمكن المراهنة عليها واحترام القوى الدولية لواقعها ومن ثم الاعتراف بها.