يفيد تقرير صدر مؤخراً عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد «أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين قد وصلت إلى أبعاد وبائية»، كما يوضح المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب، في تقرير له، «أن المسلمين أكثر عرضة من غيرهم للهجمات الإرهابية بـ7 أضعاف».
فكيف أصبح المسلمون ضحايا للإرهاب ومتهمين به في الوقت نفسه؟ وما الخطط الشهيرة لترويج الكراهية ضد المسلمين؟ وكيف تمكن المُدبِّرون لهذه المخططات الخبيثة التي وضعت المسلمين في مثل هذا الوضع السيئ؟
أسئلة تدور في بال كثير من المسلمين تبحث عن أجوبة مقنعة.
في الحقيقة، قائمة الخطط الخبيثة لهذا الغرض لا حصر لها، وتعد السينما إحدى أبرز وسائلها وأدواتها للدعاية والتلاعب باتجاهات الجماهير والتأثير على الرأي العام، فاليوم نحن نستمد منها الكثير من معارفنا ونشاهدها باعتبارها الحياة الحقيقية.
ولذا، بعد نهاية الحرب الباردة، استقرت مراكز البحوث الأمريكية على تقديم الإسلام باعتباره العدو لأمريكا وأوروبا، وشكّل ذلك أساساً لإنتاج الكثير من الأفلام لتشويه صورة المسلمين، مع تغيير السمات المستخدمة في بناء الصورة طبقاً للأحداث، كما يذكر الأكاديمي د. سليمان صالح، في مقالة له.
ولم تكن أمريكا وحدها في هذا المخطط، بل شارك الكثيرون من أنحاء العالم بكل دهاء وذكاء في ترويج افتراءاتهم ضد الإسلام والمسلمين، واتبعوا إرشادات هتلر وخلفائه التي توضح خطط ترويج الافتراءات والأكاذيب فاستخدموها لتشويه سُمعة المسلمين،
وفيما يلي ثلاثة منها:
1- الكذبة الكبيرة.
2- تكرارها على مواقع متعددة وعبر منصات مختلفة.
3- تشكل نصف الحقيقة حتى لا تفقد المصداقية.
كما نصح هتلر في كتابه الشهير «كفاحي» عندما كتب يقول: «اجعل الكذبة كبيرة، واجعلها بسيطة، وكررها، في نهاية المطاف سوف يصدقونها».
فيتهمون المسلمين بادعاءاتهم الهائلة ويكررونها عبر منصات التواصل الاجتماعي العديدة وفي برامج متنوعة ومواقع مختلفة ويفيدون فيها نصف الحقيقة، فمن يحقق فيها بنظرة سريعة يجد منها بعض الصدق؛ فيصدق بها دون تمحيص.
وفي الهند، استخدم الفيلم الهندي «ذي كيرالا ستوري» كلاً من هذه الخطط الثلاث، إذ تدور أحداث الفيلم «قصة كيرالا» في ولاية كيرالا الهندية الجنوبية، ويتناول حياة 3 نساء يتبنين الفكر المتشدد لما يسمى «تنظيم الدولة» وفي الإعلان الترويجي تظهر امرأة ترتدي البرقع.
تذكر أن اسمها كان «شاليني أونيكريشنان»، وأنها أرادت أن تصبح ممرضة وتقول: «الآن أنا فاطمة با، إرهابية من تنظيم الدولة الإسلامية في أحد سجون أفغانستان»، وتضيف أن هناك «32 ألف فتاة جنّدن مثلها، ودفنّ في صحاري سورية واليمن»، وتتابع قائلة: «هناك لعبة قاتلة تدور لتحويل الفتيات العاديات إلى إرهابيات مخيفات في ولاية كيرالا».
ويدعي الفيلم أن فتيات هندوسيات يتم إجبارهن على التحول إلى الإسلام في ولاية كيرالا.
فما حقيقة هؤلاء الفتيات؟ وكم كان عددهن؟ وهل هن ثلاث فتيات من كيرالا أم يبلغ عددهن 32 ألفاً كما يدعي الفيلم؟
وما حقيقة تحويل الأديان؟ وهل يوجد تحويل الأديان إجبارياً أم بإرادة الفرد؟ وهل يوجد ما يسمى «جهاد الحب» في ولاية كيرالا كما يدعي الفيلم؟!
يفيد موقع التحقق «Alt News»، في تقرير مفصل، أنه «لا يوجد دليل» لهذا العدد المزعوم في الفيلم وهو 32 ألفاً.
ويسلط الصحفي ومدون الفيديو المعروف دهرو راثي، في مقطع فيديو، الضوء على الحقائق عن العدد وتحويل الأديان، ونشر في صفحته، يقول: إنهن كن ثلاث فتيات، اثنتان منهن كانتا مسيحيتين واعتنقتا الإسلام ديناً لهما، والثالثة كانت هندوسية تحولت إلى الإسلام بإرادتها، والجدير بالذكر هنا أن زوجها كان مسيحياً فاعتنق الإسلام ديناً له، فكان اعتناقهن الإسلام بإرادتهن دون إجبار أو إكراه.
وفي الرد عن حالات «جهاد الحب»، اعترف نائب وزير الداخلية جي كيشان ريدي بأنه «لم يتم الإبلاغ عن مثل هذه الحالة (جهاد الحب) من قبل أي من الوكالات المركزية.
والجدير بالذكر هنا أن صحيفة «إنديان إكسبريس» نشرت تقريراً يوضح أن حوالي 506 أشخاص سجلوا تحويل دينهم لدى الحكومة في عام 2020، وكان 241 شخصًا تحولوا من المسيحية أو الإسلام إلى الهندوسية.
لأن الهند تضم مجتمعًا متنوعًا ومتعدد الثقافات والديانات، والمواطنون يتعاملون فيما بينهم فيتأثر بعضهم ببعض، ويختار واحد أيديولوجية وأفكار الآخر بدون كراهية وإجبار.
وولاية كيرالا لها امتياز في انسجامها الديني، ووفقًا لآخر تعداد سكاني في عام 2011، فإن 27% من سكان ولاية كيرالا البالغ عددهم 33 مليون نسمة هم من المسلمين، و18% مسيحيون.
ولذا أنكر ششي تهرور ادعاءات الفيلم وقال، في تغريدة له: «إنها لديكم قصة كيرالا وليس لدينا»، ونملك قصة مختلفة تماماً لكيرالا مليئة بالحب والتقدير.
ووصف فادسيري ساتيسان، زعيم حزب المؤتمر في الولاية، فيلم «كيرالا ستوري» بأنه حالة واضحة من التضليل، وأنه صُنع لتشويه صورة كيرالا ونشر الكراهية بين الناس.
وقال المحامي نظام باشا: هذا الفيلم هو أسوأ أنواع خطاب الكراهية، ومن الواضح أن الفيلم يهدف إلى نشر الكراهية والعداوة بين مختلف شرائح المجتمع في الهند، الرسالة التي يروج لها الفيلم هي أن الفتيات غير المسلمات يتم تحويلهن إلى الإسلام من قبل زملائهن في الفصل، وبعد ذلك، يتم تهريبهن إلى غرب آسيا حيث يُجبرن على الانضمام إلى منظمات إرهابية.
ويفيد تقرير لصحيفة «إنديان إكسبريس» أن حزب بهاراتيا جاناتا يحكم البلاد ما يقرب من 10 سنوات، ولكن يمكن القول: إنه يملك مشروعاً سياسياً يقوم على تعزيز الأغلبية من خلال استبعاد الأقلية وغيرها.
كما أعفت كل من ولايتي أترابراديش ومدهيا براديش، اللتين يتولى فيهما حزب بهاراتيا جاناتا الحكم، الفيلم من ضرائب الدولة.
كل منا لديه حكاية وقصة يرويها، لكن الذين يبتغون تشويه صورة الإسلام والمسلمين لأهدافهم السياسية يُبالغون فيها ويقدمون أكاذيب هائلة ويكررونها بدون تعب ولا نصب، فعلى المسلمين أن يحكوا قصص الحب والوئام والأخوة التي يملكها الإسلام والمسلمون، فإن تاريخهم مضيء ومتلألئ، وثقافتهم يجللها المجد، وكرامتهم يكسوها الشموخ.
برهان أحمد الصديقي
مترجم وكاتب صحفي متخصص فى شؤون المسلمين والأقليات الهندية