- بسام جرار يكتب: جريمة الزنا - مايو 7, 2019
- المصارف - أبريل 27, 2019
- أكاد أخفيها - مارس 11, 2019
تثبت الجرائم بالإقرار أو بشهادة شاهدين إلا الزنا فيثبت بالإقرار أو بشهادة أربعة شهود عدول. وهذا الأمر يلفت الانتباه ويدعو إلى التدبّر، لأنّ الزيادة في عدد الشهود، بل مضاعفتهم، تدل بشكل واضح على أنّ الشريعة الإسلاميّة لا ترغب في كشف ستر هذه الجريمة، وإلا فما معنى زيادة ومضاعفة عدد الشهود المطلوبين لإثبات الجريمة؟! ومما يؤكد هذا الفهم أنّ الشاهد الوحيد الذي عليه أن يُثبت أقواله هو فقط شاهد الزنا، وإذا لم يُثبت أقواله يُعاقب بعقوبة حد القذف. أمّا باقي الشهود، في كل الجرائم والمخالفات، فلا يُطلَب منهم الإثبات، ولا تلحقهم عقوبة في حال عدم ثبوت الجريمة في حق المتهم.
لماذا؟!
عندما تقع جريمة قتل ولا يُكتَشَف القاتل يضطرب المجتمع، وعلى وجه الخصوص عندما تتكرر الجريمة ويكون الفاعل مجهولاً. وإذا تمّ اكتشاف الفاعل يسود الارتياح والأمن. وما قُلناه في القتل يُقال في السرقة وقطع الطريق…الخ. فاكتشاف السارق والقاتل ومعاقبتهما يساعد في ردع المجرمين. أما في جريمة الزنا فالأمر مختلف تماما، فعندما تكتشف الجريمة يضطرب المجتمع، على العكس تماماً مما هو في الجرائم الأخرى. واكتشاف الفاعلين لا يردع غيرهم وإنما يُشجع على انتشار الجريمة. لماذا؟
طبيعة جريمة الزنا تقتضي التستر والاحتياط، ثم إنّ طرفي الجريمة متواطئان عليها، بل ويُحب كل منهما الآخر، ولا يرتكبان الجريمة، في الغالب، إلا بعد تغليق الأبواب وإنزال الستائر، وهذا يعني أنّ اكتشاف الجريمة هو من الصعوبة بمكان. وعليه فلن تشكل العقوبة رادعاً حقيقياً للزناة. وبما أنّ من فلسفة العقوبة الحد من انتشار الجريمة في المجتمع، فإنّ الحد من جريمة الزنا يقتضي التركيز على أمور أخرى غير العقوبة. أما العقوبة فتلزم فقط عند ظهور الجريمة والجهر بها.
كيف نَحُد من جريمة الزنا؟
اللافت في الواقع أنّ نشر خبر جريمة الزنا يزيد من انتشارها، لأنّ الناس تتأثر في هذا الأمر بالرأي العام والواقع المحيط، فإذا شعر الفرد بأنّ الجريمة تمارس في الواقع المحيط فإنّ ذلك يشجّعه على ممارستها. وإذا ما تكررت الجريمة في المجتمع أصبحت مألوفة، ويؤدّى ذلك إلى تحولات في الرأي العام تجاه الجريمة. وعندما نعلم أنّ خبر الجريمة يمكن أن ينتشر من غير وجود إمكانيّة- في كثير من الحالات- لإثبات ذلك أمام القانون، أدركنا خطورة أن نسمح بتداول التهم، فتداول التهم يُشعِر المجتمع بوجود الجريمة من غير أن يكون لدى القانون القدرة على ردع المجرمين. لذلك كان من الحكمة أن يُشرّع حد القذف حتى يمكن محاصرة جريمة الزنا عن طريق كتم خبرها، لأنّ كتم خبرها يساعد، كما قلنا، في الحد من انتشارها، ويساعد تكرار سماع خبرها في الاستهانة بخطورتها.
المراقب لواقع المجتمعات الإسلاميّة يلاحظ أن تدنّي نسبة ارتكاب جريمة الزنا لا يرجع إلى وجود عقوبة قانونيّةٍ رادعة، بل يرجع إلى شعور الفرد بأنّ المحيط من حوله يستنكر الجريمة ولا يمارسها. فالعفاف يوحي بالعفاف، والطهر يوحي بالطهر، والفاحشة تُحرّض على الفاحشة. وانتشار خبر الجريمة يُعرّف الناس بالعناوين التي تُقصد للراغبين في ممارسة الفاحشة.
الأب الذي لم يُعْرف عنه سقوط في جريمة الزنا يُشكّل قدوة لأبنائه وبناته. وقد يكون ممارساً للزنا في يوم من الأيام ولكن هذه الممارسة كانت عابرة أو محاصرة في دائرة ضيّقة ولم ينتشر خبرها. إنّ مثل هذا الرجل سرعان ما يتوب ويُقلِع ويدفعه إلى ذلك أمور منها عدم رغبته في انكشاف أمره لأبنائه وبناته. وفي حال انكشاف أمره تتهاوى سلطته الأخلاقيّة في مواجهة أبنائه وبناته وزوجته وأقربائه ومحيطه، بل ويصبح ارتكاب الجريمة في محيطه أمراً ممكناً. وما يُقال في الأب يُقال في الأم والأخت والجدّة والمعلم ومدير المدرسة… وكل من له سلطة تربويّة أو أخلاقيّة.
قد تكون جريمة الزنا خطأً عابراً، فإن بقي هذا الخطأ سراً ساعد صاحبه على التوبة والارتداع، وإن كشفنا الأمر نكون قد دفعنا الفاعل إلى التمادي، لإدراكه أنّ صورته قد شوّهت في نظر القريب والبعيد. ويصبح مثل هذا الشخص راغباً في فساد المجتمع من حوله، ليستعيد اعتباره واحترامه، فيشكل بؤرة للفساد على المستوى السلوكي والفكري.
إنّ القاتل الذي انكشف أمره لا يُقبلُ الناس عليه ليتعلموا منه القتل، وكذلك الأمر في السارق، بل إنّ الناس تنبذ السارق وتحذّر منه. أما الزانية التي لا تحظى باحترام، فقد تحظى باهتمام الذين في قلوبهم مرض. ووجود مثل هذه المرأة في بيئة ما يساعد في إفسادها، نظراً لأنّ الرغبة الجنسيّة هي فطرة وغريزة لها سلطانها على النفس البشريّة.
إنّ المجتمعات الإسلاميّة هي الأقل تعرضاً لمخاطر الانفتاح الجنسي، ويرجع ذلك إلى تأثّر هذه المجتمعات بالإسلام، الذي نجح في محاصرة جريمة الزنا، والذي تلخّصت سياسته في الوقاية أكثر من العلاج. ويمكن تلخيص هذه السياسة في الآتي:
- غَرَس القناعات العقديّة والفكريّة في نفوس الناس.
- غَرَس الإيمان الأخروي الذي يدفع بقوة إلى الالتزام.
- شرّعَ البرامج التربويّة الشاملة والمتنوعة وجَعلَ ممارستها شأناً فردياً وشاناً جماعياً، كالصلاة والزكاة والصيام … الخ.
- حَضَّ على ستر الزاني لتشجيعه على التوبة ولتطويق خبر الجريمة وللحد من سلبياتها التي يمكن أن تطال أطرافاً بريئة، كالأب والإبن والأخ والأخت.
- شرّع أحكاماً تساعد على الوقاية من الجريمة، كأحكام لباس المرأة والرجل وأحكام الاختلاط … الخ.
- فرَض عقوبات تعزيريّة على المقدمات التي يمكن أن تقود إلى الزنا، فوجود رجل وامرأة في أوضاع أو أماكن مشبوهة غير مسموح به في المجتمع الإسلامي، وممارسة مثل ذلك يجعل الشخص تحت طائلة العقوبة التعزيريّة المفوّضة لأمر الحاكم. فلا يظن أحد أنّ ميل الشريعة الإسلاميّة إلى ستر الزاني يجعلها متساهلة مع المقدمات التي قد تساعد على الزنا، بل الأمر على العكس تماماً، فما توفّره الشريعة من أجواء نظيفة وقوانين تحرسها الدولة يُشكّل ضمانة لمحاصرة كل المظاهر التي يمكن أن تولّد الزنا أوتسهله. بل إنّ الرأي العام الذي يخلقه الإسلام في المجتمعات الإسلاميّة يكفي لمحاصرة الجريمة واجتثاثها، بحيث يأتي دور الدولة أخيراً.
- شرَّع عقوبات للزناة الذين يظهر أمرهم وينكشف خبرهم، فلا مجال للتسامح عند ظهور الجريمة، ولا بد من العقوبة التي تُشعر المجتمع بأنّ الأمر جريمة مستحقة للعقوبة الصارمة.
سياسة مناهضة:
في المقابل نجد أنّ سياسة الذين يتّبعون الشهوات هي سياسة مناقضة لسياسة الإسلام القائمة على الوقاية قبل العلاج. وتتمثل السياسة المناهضة بالآتي:
1- العمل على نشر خبر الجريمة والمبالغة في ذلك بقصد جعل الجريمة ظاهرة مقبولة وممارسة. من هنا نجد أنّ هناك بعض المجلاّت والجرائد تُعنى بنشر أخبار الفاحشة إلى درجة افتعال القصص ثم الزعم بأنها من واقع المجتمع.
2- العمل على نشر ظاهرة عدم الاحتشام، واستخدام جسد المرأة كوسيلة للإثارة والإفساد. في المقابل نجد أمثال هؤلاء يحاربون ظاهرة الاحتشام والعفاف.
3- العمل على جعل الاختلاط غير المنضبط واقعاً مقبولاً لدى الجماهير.
4- وضع التشريعات وسن القوانين التي تُسهّل جريمة الزنا، فهناك الكثير من القوانين في البلاد العربيّة، مثلاً، لا تُجرّم الزنا وتعتبره من الحريّة الشخصيّة، في الوقت الذي نجدهم يحرمون الشعوب من الحريات الجوهريّة.
5- العمل على فلسفة الانحرافات الجنسيّة وإظهارها كوجهة نظر تقوم على قناعات فكريّة.
أمور تنبني على فلسفة الإسلام في محاصرة جريمة الزنا:
1- لا تُقبل الصور الفوتوغرافيّة وأفلام الفيديو وأمثالها كأدلة لإثبات الجريمة.
2- لا يصح اعتبار عدم وجود غشاء البكارة دليلاً على جريمة الزنا.
3- لا يعتبر حمل المرأة غير المتزوجة دليلاً قاطعاً على زناها، وإنما يكون دافعاً للدولة لأن تحقق في الأمر لوجود احتمالات منها أن تكون المرأة قد تعرضت لاغتصاب في حالة الوعي أو في حالة فقدان الوعي.
4- الذي يتهم أحداً بالزنا من غير دليل شرعي يُعتبَر مستحقاً للعقوبة ويعتبر فاسقاً، وتسقط أهليته للشهادة.
5- كل مولود يولد لامرأة في حال قيام الزوجيّة ينسب إلى أبيه- أي الزوج – ما لم يقم هذا الزوج نفسه بنفي النسب بالطرق الشرعيّة.
6- لا يجوز لأي طرف غير الزوج أن يُطالب بفحص جيني، أو غيره، للتحقق من نسب طفل معلوم النسب.