تراقب الصحف الفرنسية عن كثب وباهتمام بالغ تطورات الأمر في الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية التي أتت بعبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، خصوصاً مع استمرار الحراك الشعبي.
وعلى الرغم من أن السياسيين الفرنسيين في الغالب يتحاشون التعليق على الأوضاع، خوفا من ردود الفعل الغاضبة من الضفة الأخرى للمتوسط، ومن اتهامات للقوة الاستعمارية السابقة بالتدخل في شؤون بلد مستقل، إلا أنه تصدر من حين لآخر تصريحات مقتضبة لا تشفي الغليل. ولعل من بينها تصريح للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد الإعلان عن انتخاب تبون رئيس جديد للجمهورية الجزائرية.
ورغم اكتفاء ماكرون بالقول إنه اطلع على فوز تبون بالانتخابات الرئاسية الجزائرية من الدور الأول، وشدَّد على “فتح حوار بين السلطات والشعب”، إلا أن الرئيس الجزائري المنتخب اختار في أول كلمة له النأي بنفسه عن الرد على تصريحات الرئيس الفرنسي.
وإذا كان معظم الساسة الفرنسيين ينظرون بإعجاب إلى الحراك السلمي في الجزائر، إلا أن الأمر لا يذهب أكثر من ذلك، وهو ما تتكلف به وسائل الإعلام الفرنسية، وخاصة المكتوبة، وهنا يختلف الأمر حسب التوجه السياسي والأيديولوجي للصحيفة والموقع.
فصحيفة “لوفيغارو” اليمينية مثلا لا تخفي قلقها من انعكاسات الوضع الجزائري على فرنسا، وتصل في بعض الأحيان إلى مستويات من التهويل، يضخمه صحفيون يشتغلون فيها، ومن بينهم إيريك زمور، أو يتكفل بذلك مثقفون جزائريون لا يكنون كثيرا من الود لبلادهم، ويقدمهم الإعلام الفرنسي باعتبارهم “ضمير الجزائر” أو “منشقين”، مثل كمال داود أو بوعلام صلصل وآخرين.
وهكذا بادرت “لوفيغارو” إلى قراءة انتخاب تبون، بمقال حمل عنوان: “بمجرد انتخاب عبد المجيد تبون، تم الاعتراض عليه”. وركز المقال على ما اعتبره “صناديق اقتراع مسروقة” و”عمليات تخريب” (خاصة في منطقة القبائل)، وأيضا بسبب ضآلة عدد من شاركوا في الانتخاب. وهو ما تترجمه تظاهرات تنتقد الرئيس الجديد، كما أوردت الصحيفة: “تبون، إن ولايتك الرئاسية ولاية ولدت ميتة”، أو “رئيسكم لا يُمثّلني”.
وهو عنوان لا يختلف عنه كثيرا ما جاء في مقال صحيفة “لوموند”، التي عنونت: “تظاهرات حاشدة في الجزائر بمجرد انتخاب الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون”، ولم تنسى الصحيفة الإشارة إلى رغبة تبون في إطلاق حوار مع الحراك، من أجل بناء جزائر جديدة وإرساء الثقة بين أبناء البلد، واعداً بإدخال تعديلات على الدستور الجزائري، وإخضاعها لاستفتاء شعبي.
أما “ليبراسيون” فتساءلت: “رئيس جديد للجزائر، من أجل ماذا؟”، ونقلت أن الرئيس، وهو من رجالات النظام، وصل إلى الرئاسة في ظل انتخابات قاطَعَتها المعارَضَة وأغلبية الجزائريين. كما أن المواطنين يسخرون منه ويطلقون عليه “رئيس كوكايين”، في إشارة إلى اعتقال ابنه في قضية شهيرة تتعلق بالمتاجرة في المخدرات.
وأشار المقال إلى هامش المناورة الضيق الذي يمتلكه الرئيس الجديد في مواجهة العسكر، وإذا كان مثل بقية المرشحين الآخرين الذين أعلنوا عن انبثاقهم من الحراك، فهو الوحيد الذي وَعدَ بإصلاح الدستور والقانون الانتخابي، ولكنه، كما تكتب الصحيفة “سيكون عاجزا عن حمل أي تغيير عميق لأنه يجسّد إعادة إنتاج النظام”.
وتساءلت الصحيفة إن كان الرئيس الجديد الذي يُعرَف عنه قُربُه من رئيس الأركان الجزائري، أحمد قايد صلاح، قادرا على أن يصبح مهندس عميلة انتقال سياسية متفاوَض عليها بالقوة مع الجيش.
وتجيب الصحيفة بأن هامش المناورة للرئيس الجديد ضيق للغاية؛ لأن المشاركة في الانتخابات كانت الأضعف في تاريخ الرئاسيات في الجزائر، وهو ما يعني أن التصويت فرَضَه العسكر، وشرعية الرئيس هشة، فهل سيتحرر من وصاية الجنرالات؟ وتنقل الصحيفة اليسارية عن المحلل السياسي، حسني عبيدي، قوله إن “الجيش الجزائري يريد أن ينسحب، لكن مع مواصلة مراقبة هذا الانسحاب من أجل الحفاظ على مصالحه وامتيازاته”. ولهذا السبب فإنه “يُفتَرض أن يكون عبد المجيد تبون، وهو رجل تجربة، هو من يَحمل هذا الحل”.
وتختم الصحيفة بأن وضعية تبون ليست سهلة، فـ”إذا أراد أن ينجح كوسيط ذي مصداقية، فعليه أن يُقدِّم صورة عن وضعية توازن، ما بين الحراك والجيش”، مضيفة أن “الميزان، في هذه اللحظة، لا يزال يَميل لصالح الجيش”.
وفي مقال آخر، وكأنها تجيب على وضعية الجزائر ما بعد انتخاب تبون، تحدثت “ليبيراسيون” عن “مطاردات حقيقية، وعنف غير مسبوق”، يوم أمس الجمعة، أطلقت عليه صفة “عنف حيواني”، استهدف متظاهرين جزائريين في مدينة وهران، وأدى لإيقاف ما يقارب 400 متظاهر، كانوا يعبرون عن رفضهم لانتخاب تبون.
وهو ما جعل المقال يتحدث عن “سيادة الحَذر والخوف”، في يوم عاشه متظاهرون كـ”صدمة”. وأضافت أن هذا القمع الكبير في وهران، في اليوم التالي لانتخاب تبون، لا يبشر بخير، “مواطنين مصممين على الحفاظ على سلمية الحراك”، ويتأهبون لـ”موسم ثان”، من الاحتجاجات.
من جهته، تناول موقع “أتلانتيكو” الإخباري الوضع الجديد في الجزائر، من خلال حوار أجراه مع أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس الأولى، بيير فيرميرين، تحدث فيه عن السيناريو الذي سيلجأ إليه النظام الجديد، فكتب: “جزائر الجنرالات تحظى بدعم الروس والخليج ومصر وسورية. أما فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لا تقول شيئا”.
وأضاف موضحا: “وحدهم الجزائريون يستطيعون تحريك البناء من الداخل، وقد حاولوا عبر كل الوسائل السلمية التي في حوزتهم. ولكن الحراك أثبت أنه عاجزٌ عن قلب الأشياء. ولا شيء يمكن أن يظل كما كان في السابق، على الأقل في رؤوس الناس، كما أن الثقافة السياسية والديمقراطية للجزائريين تقدمت بشكل كبير جدا”.
وتابع قائلا: “إذا لم يعرف رئيس الدولة والحكومة القادمان كيف يتحدثان إلى الشعب، بل وإذا ارتبكا أخطاء فظيعة، فهذا سيدفع الأمور للاهتزاز. ولكن سيتوجب على الجزائريين انتخاب برلمان جديد، وهو ما سيحافظ على التعبئة السياسية. وماذا لو أن التغيير سيأتي من البرلمان؟ فمنذ 1991، لم تشهد الجزائر انتخابات حرة.. على الصعيد المحلي، يمكن للأشياء أن تظل أكثر بساطة، ولكن تبقى فرضية انهيار اقتصادي”.
واختتم قائلا “من المؤكد أن بلدا من 40 مليون نسمة، لا ينتج سوى الغاز والنفط، لا يكون قابلا للحياة في القرن الواحد والعشرين”.