- الربيع العربي.. معارك وأسئلة - فبراير 21, 2021
- ترامب إذ يواصل الابتزاز - يناير 7, 2021
- مشروع التصفية الذي لم يوقفه «كورونا» - أبريل 29, 2020
توقف أمين عام حزب الله حسن نصر الله في ظهوره الأخير عند موجة «الحجيج» إلى دمشق، مشيراً إلى أن مسؤولين كبار في بعض الأنظمة العربية قد زاروا العاصمة السورية، من دون الكشف عن أسمائهم.
لكن اللافت في كلام نصر الله هو قوله إن ذلك التحوّل الجديد في المواقف العربية هو نتاج الخوف من تركيا.
والحال أن هذا التطور الجديد في مواقف بعض الأنظمة العربية لم يكن بحاجة إلى كلام نصر الله، إذ بالإمكان قراءة سياسات الأنظمة من خلال سياقات عديدة أهمها وُجهة الإعلام، فضلاً عن مواقف أخرى تراوح بين السرية والعلنية، إلى جانب التحليل الدقيق لتلك المواقف بناء على معطيات سابقة.
مرّت الأنظمة التي نتحدث عنها بقيادة السعودية بتحولات عديدة منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011، ونستثني هنا بالطبع مصر التي لها حسابات خاصة لا تلتقي دائماً مع المحور رغم التحالف الظاهر.
ما ينبغي قوله ابتداءً هو أن السياسة في جوهرها أولويات، وهي تتحرك بناءً على تحديد تلك الأولويات. وحين تعاني الأخيرة من الخلل، تدخل السياسة برمتها في مسارات الفشل وتعزيز الخسائر.
حين اندلع الربيع العربي، صارت أولوية الأولويات لهذا المحور تتمثل في وقف مد الربيع كي لا يصل إليها، وكي لا ينتشر «فيروسه» المتمثل في الحريات والتعددية والمشاركة في السلطة والثروة إلى دول لا تعترف بهذا اللون من الشعارات، ولأن «الإسلام السياسي» هو الذي تصدر الربيع العربي بوصفه القوة الأولى في الشارع؛ فقد صار هو العدو الأول والأهم، ودُفعت لأجل مطاردته عشرات المليارات، وهي حرب لم تتوقف فصولها بعد، وما زالت تتم على أصعدة سياسية وثقافية، وصولاً إلى استهداف الصحوة الدينية في المجتمعات السياسية، بناءً على قناعة تقول إن التدين هو الذي يمثل الحاضنة الشعبية للإسلام السياسي.
مع النجاحات الكبيرة التي حققها هذا التحالف في مواجهة الربيع العربي، ضد الإسلام السياسي، وفي مقدمته الإخوان، كانت إيران قد قفزت قفزة جديدة في اليمن، الأمر الذي أشعر القوم بخطر جديد كبير، فتم تحويل البوصلة إلى مواجهة إيران، من دون التوقف عن الاهتمام بالأولوية السابقة.
وفي حين كانت ثورة سوريا جزءاً لا يتجزأ من الربيع العربي، وتم التعامل معها في المرحلة الأولى على هذا النحو، إلا أنها صارت بعد ذلك جزءاً من مواجهة إيران، ولم تكن هناك نوايا حقيقية لإنجاح الثورة، بقدر ما كان الهدف هو مشاغلة إيران واستنزافها.
نعود لنقول إن مصر كان لها مسار مختلف، إذ لم تقف ضد إيران (موقفها من الثورة السورية هو الدليل الأبرز)، فضلاً عن موقفها الباهت في اليمن، وتقاربها مع أتباع إيران في العراق.
الآن؛ ورغم أن معركة اليمن لم تُحسم، ونزيفها مستمر، ورغم أن الوضع في سوريا يميل لصالح النظام، وإن تواصلت المعركة، فيما تبدو إيران أكثر قوة في العراق رغم ارتباك الوضع.. رغم ذلك كله ظهر التحول الجديد بوضع تركيا في رأس قائمة الأولويات، وجاء ذلك بعد قضية الشهيد جمال خاشقجي من جهة، وبعد أن أثبتت أحداث شتى في العالم العربي أن الشعوب التي أراد القوم «تأديبها» كي لا تفكر في الاحتجاج من جديد؛ لم تتأدب، وها هي تطل برأسها من هنا وهناك معلنة أنها لا تزال حيّة، وأن مقولات «انظروا ماذا حصل لسوريا وليبيا واليمن» لن تجدي نفعاً في لجمها.
هذا يعني أننا إزاء خلل جديد في الأولويات، ومسار كارثي جديد، فهم يواصلون حصار قطر وتدمير مجلس التعاون، وهم يواصلون مواجهة إيران، وفي الآن نفسه يهادنون العدو الصهيوني، ثم يضعون تركيا في أولوية أهم من ذلك كله. هذا يعني أن نزيف المنطقة الذي بدأ بلقاء الثورة المضادة مع إيران وتدخلها في سوريا (رغم تناقضهما) سيدخل طوراً جديداً، وذلك بدل أن تجد محاور الإقليم الثلاثة (العرب، تركيا وإيران) فرصة لوقف هذا الحريق الذي استنزف الشعوب. وسبب ذلك في حالة المحور العربي هو رفض الإصلاح السياسي، فيما سببه عند إيران هو الإصرار على مشروع لا أفق له، مع تجاهل لمطالب الناس في الداخل.