منذ عدة سنوات والاحتلال الإسرائيلي يجري انتخاباته التشريعية قبل موعدها بعدة شهور وأكثر، فقد ضاقت السياسة الإسرائيلية ذرعاً بالجمود، ولم يحتمل الجمهور الإسرائيلي الأسماء الحزبية نفسها، فهم يعيشون في قدر يفور من المتغيرات والمستجدات والتطورات، والتي تقضي تغيير واستبدال أعضاء الكنيست وفق مزاج الشارع المتحرك.

 

في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تحسم المعركة لصالح حزب بعينه، بحيث يتمكن من تشكيل الحكومة، فقرروا اللجوء إلى صناديق الانتخابات ثانية، وإعطاء الجمهور حقه في الحسم، وتقرير شخصية الحزب الفائز، والقائد الجدير.

 

أما في فلسطين، فقد كتب علينا عبادة القيادة دون حق التغيير، وكتب علينا تقديس التنظيمات كما كتب على الذين من قبلنا، وعلى كل بني جلدتنا العرب، فلا انتخابات لدينا، ولا مجلس تشريعي لدينا بعد أن حله محمود عباس، ولا مؤسسة محترمة تمثل تطلعات المجتمع، ولا صوت يعلو فوق صوت القائد الثائر الملهم المعلم الرمز، وعلى الجمع أن يصفق للقائد التاريخي كما يشتهي.

 

الانتخابات الديمقراطية مقياس صحة وسلامة ونقاء أي حكم، وكل حاكم لا يلجأ إلى صندوق الاقتراع عند الملمات هو ديكتاتور، وموظف براتب لحسابات خارجية، والرئيس الحق وعضو المجلس التشريعي الحق والممثل الحقيقي للشعب لا يخاف صندوق الاقتراع، يلجأ إليه، ويحتمي في أحضانه، ويرضى بنتائجه، ويتشرف أن حجب عنه الجمهور الثقة، ويفتخر إن عزز الجمهور فيه الثقة.

 

في فلسطين المنكوبة بقيادتها الأبدية، لا انتخابات حقيقية، ولا تبديل أو تعديل على القيادة إلا بما يخدم توجهات القائد التاريخي الرمز، ويخدم مصالح كل من دار في فلكه، وهذه قمة المأساة السياسة، حين ترى عدوك يختار قيادته، ويفرز ممثليه كل عدة سنوات، وترى شعبك لا يقدر أن يتنفس إلا من زفير الرئيس، وهذه قمة المهانة لشعب لا يمتلك من أمره تحديد من يمثله، وفرض عليه أن يعبد الممثل الشرعي والوحيد، والذي صار شرعياً وحيداً بموافقة الدول العربية منذ عام 1974، وحتى يومنا هذا، في الوقت الذي بدل أعداء شعبنا وغيروا قياداتهم عشرات المرات، وكل قيادة عملت لصالح شعبهم أكثر من التي سبقت، ويتنافسون على خدمة شعبهم، بينما قياداتنا الفلسطينية تتنافس على تسديد الطعنات في الظهر، وتجتمع بهدف الغدر والخديعة والالتفاف على مصالح الشعب، ولا يهمها في هذا الشأن إلا مصلحة التنظيم، هذا العجل المقدس الذي يبارك خطوات القائد التاريخية، ويغطي عل عورته، ويسحج لمصالح قياداته وكوادره، ويهتف للقائد الرمز، دون أدنى اهتمام بالأرض ومصيرها، وكأن فلسطين فائض أرض لفائض شعب، لا قيمة لهم دون التنظيم، وزعيم التنظيم، وكوادر التنظيم، ورب التنظيم الأعلى.

 

فلسطين بحاجة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية على وجه السرعة، ومزيف للتاريخ والحقيقة كل من يدعي أنه يمثل الشعب الفلسطيني دون صندوق الاقتراع، فلسطين تنتظر الانتخابات، ودجال سياسي كل من يرفض الانتخابات، وخوان للوطن كل من لا يحض على إجراء الانتخابات، ومدنس للتاريخ، ومندس لصالح الأعداء كل من يعيق إجراء الانتخابات، ولا طريق لإنهاء الانقسام، ومواجهة المؤامرة على الأرض والشعب، ووأد صفقة القرن إلا من خلال انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، تشرف عليها حكومة شراكة وطنية، وتقبل بنتائجها كل التنظيمات والقوى السياسية.

من د. فايز أبو شمالة

كاتب ومحلل سياسي، فلسطيني