سلطت تقارير دولية وخبراء، الضوء على استغلال دول عربية، منصات التواصل الاجتماعي، لاستهداف الناشطين والمعارضين، وتحويلها إلى آليه مراقبة لهواتفهم وحواسيبهم، ما دعاهم إلى اللجوء لحيل إلكترونية لتجنب تتبع حكوماتهم.
جاء ذلك في تقرير أوردته هيئة الإذاعة الألمانية، على موقعها الإلكتروني، الأربعاء، موضحة وفقا لخبراء أن هذه الآلية تتمثل في 4 خطوات تكرر بشكل عام في الدول العربية التي لم توقف قمعها الرقمي للمعارضين خلال العقد الأخير.
وذكر التقرير أن تلك الممارسات الحكومية المتواصلة، التي ترمي للحد من التأثير المتنامي لرسائل الناشطين الإلكترونيين، تأتي بالرغم من التغيير السياسي وتبادل السلطة سلميا بعدد من الدول العربية في أعقاب ثورات الربيع العربي في 2011.
وبرز، خلال العقد الأخير، اعتماد الحركات الاحتجاجية والناشطين، على المنصات الرقمية؛ لتبادل صور ومقاطع فيديو للاحتجاجات فيما بينهم، ونشرها للجمهور محليا وعالميا.
وساهمت تلك المنصات بتسهيل تواصل المحتجين، وساعدت على تنظيم عملهم، الأمر الذي جعلها هدفا للسلطات من البداية.
انتهاكات متواصلة
غير أن تقرير جديد لمؤسسة “فريدوم هاوس” (Freedom House) صدر مؤخرا، ويتناول حرية التعبير في الإنترنت لعام 2019، في عدد من الدول العربية والأفريقية، سجل عدة انتهاكات بهذه الدول خلال السنوات العشر الأخيرة.
وأشار التقرير لوجود عدة حالات اعتقال طالت المتظاهرين لأسباب تتعلق بتبادل الرسائل إلكترونياً، فعلى سبيل المثال، اعتقلت السلطات السودانية الناشط السياسي “حاتم الميرغني”، وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين، بعد إرساله رسالة “واتساب” تتحدث عن مسؤول حكومي وصفه بـ”الفاسد”.
وعلى نفس المنوال اعتقل جهاز الأمن المصري عدة ناشطين من بينهم المدون “علاء عبدالفتاح”، فيما ذكر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس وواتش” لعام 2017 أن هناك نحو 140 معتقلاً في سجون دول الخليج إثر نشاطهم الإلكتروني.
أسلوب متكرر
وبحسب الخبير في الإعلام الرقمي “ليث أبوجليل” فإن الدول العربية التي واجهت حركات احتجاجية اعتمدت على ذات الآلية في المراقبة للتعامل مع المنصات الإلكترونية.
وقال “أبوجليل” إن “السلطات تمارس القمع في العالم العربي بذات الأسلوب بشكل عام”.
وأكد أن الخطوات تبدأ عادة بـ”اعتقال واسع” للناشطين الإلكترونيين وتكثيف الضغط عليهم.
شرعنة القمع
وفي ظل تنديد مؤسسات حقوق الإنسان بهذه الاعتقالات، لعدم وجود نصوصٍ قانونية داخلية تدعم اعتقالهم، فإن الحكومات تتجه إلى وضع تشريعات جديدة تسمح لها بملاحقة الناشطين على أثر تحركاتهم الإلكترونية، وذلك من أجل “شرعنة القمع”، كما يرى “أبوجليل”، وتعد هذه هي الخطوة الثانية في آلية المراقبة.
ففي مصر، قام الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” بالمصادقة على قانون “مكافحة جرائم تقنية المعلومات” عام 2018، لـ”تنظيم” ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، بناء على تصريحات مسؤولين آنذاك.
وفي السودان، قام الرئيس السوداني المخلوع “عمر البشير”، عام 2007، باستحداث قانون جديد باسم “جرائم المعلوماتية”، فيما أجرى تعديلات على قانون الإعلام ليستهدف النشاطات الإلكترونية.
أما السعودية فقد كانت السباقة بهذا المجال، باعتبارها الدولة العربية الأولى التي فرضت قانوناً يلاحق الناشطين الإلكترونيين عام 2007.
الخطوة الثالثة، وفقا لـ”أبوجليل”، تتمثل في “مراقبة التحركات عبر منصات التواصل الاجتماعي”، وإثارة الخوف بين الناشطين من أجل دفعهم لفرض الرقابة الذاتية على أنفسهم، وقد يصل في أحيانٍ كثيرة الحد بالسلطات إلى قرصنة حسابات المحتجين وإلغائها.
وكشف تقرير “للفيسبوك” عام 2011، أن الرئيس التونسي الأسبق “زين العابدين بن علي” عمد إلى مراقبة رواد الموقع، إذ تم استغلال موزعي الإنترنت في البلاد من أجل الحصول على كلمات سر الحسابات الخاصة بالمستخدمين، وحذفها فيما بعد.
ووفقاً لأبحاث Citizen Lab، فإن السودان في يونيو/حزيران 2013، حصل على معدات مراقبة عالية التقنية من شركة أمريكية تصنع أجهزة مراقبة وفلترة، ليتم استخدامها لاحقاً في يوليو/تموز 2017، على ما يبدو، لزرع برامج مراقبة داخل هواتف وحواسيب محمولة لما لا يقل عن 11 ناشطاً خلال تدريبات خارج البلاد، ما سمح للسلطات بمراقبة جميع أنشطتهم عبر الإنترنت.
الخطوة الأخيرة -كما يؤكد “أبوجليل”- تتمثل بمنع الوصول لمنصات التواصل الاجتماعي مثل “الفيسبوك”، و”تويتر” و”إنستجرام” و”واتساب”، والذي كان نمطاً متكرراً في أغلب ثورات الربيع العربي، أو الاحتجاجات الأخيرة، كأحداث العراق ومصر وليبيا.
ورأى “أبوجليل” أن فصل خدمة الإنترنت عن المستخدمين جاءت كحل أخير، وذلك لشل عمل الناشطين الإلكترونيين، وعلى الرغم من الخسائر المادية التي تتسبب بها هذه الخطوة، فإن عدة دول عربية توجهت لاستخدامها، آخرها تمثل بدولة العراق، إذ قطعت السلطات الخدمة عن العاصمة وأغلب المدن العراقية.
فيما قام المجلس العسكري الانتقالي في السودان بفصل الإنترنت لمدة شهر خلال يونيو/حزيران الماضي، وذلك بحجة “قطع الطريق أمام تبادل الشائعات والأخبار المزيفة”.
وكانت تقارير أمريكية قد أشارت إلى أن النظام السوري عمد إلى حجب الإنترنت عن البلاد عام 2012.
حيل إلكترونية
لم تكن الممارسات التي قامت بها الحكومات عائقاً كبيراً أمام المتظاهرين، فعلى الرغم من إبطاء أداء المحتجين إلكترونياً، لكن “الصحفيين المواطنين” تمكنوا من تجاوز هذه الأزمة.
فقد شكلت الشبكة الوهمية VPN، والتي تسمح للمتظاهرين بفتح المنصات الاجتماعية على الرغم من حظرها، ملجأ مهما لهم، كما يشير الخبير التكنولوجي “سيغفريد سيدينتوبف”، وقد انتشرت هذه الآلية بين الناشطين العرب بمن فيهم المصريون والعراقيون.
بيد أن هذه التقنية لم تجد نفعها أمام قرارات حجب الإنترنت عن المستخدمين، ما دفع المتظاهرين لمحاولة إيجاد طرق أفضل لنشر صور وفيديوهات الاحتجاجات.
ففي مصر والسودان توجه المحتجون إلى استخدام “ملقم الهاتف” وهي تقنية قديمة للولوج إلى الإنترنت، وفي هذا الصدد يقول “سيدينتوبف”: “في هذه الحالة يكون الإنترنت بطيئاً جداً ويصعب رفع المواد البصرية على الشبكة العنكبوتية”.
أما في العراق فإن عدداً من العاملين لدى شركات مزودة لخدمة الإنترنت قاموا بتسريب المواد التي التقطها المتظاهرون من خلال أجهزة الخادم الخاصة بشركاتهم (السيرفر).