- الحركات الإسلامية.. من السياسي إلى الثقافي - مارس 19, 2019
- بدائل مواجهة الاستبداد - فبراير 15, 2019
- تقييم ثورة يناير - يناير 24, 2019
نحتاج إلى أن نتحلى بقدر كبير من الشجاعة الأدبية والأخلاقية حتى نعترف بعدة حقائق، هي في تصوري خلاصات السنوات السبع الماضية:
أولها: أن ما حدث في الخامس والعشرين من يناير عام 2011 هو:
حراك شعبي لم ينضج.
وثورة لم تكتمل.
ثورة لم تحدث التغيير المطلوب الذي تحدثه الثورات الحقيقية:
فلم يصاحبها:
تغيير جذري في منظومة الحكم.
ولا انقطاع في سلوكيات المجتمع الذي قام بالثورة.
ولم تظهر تلك الثورة كنتيجة لكتابات مفكرين عظماء، ولا أبرزت مفكرين عظماء.
ولم تظهر نتيجة سعي حركة اجتماعية قائدة لها رايتها المعروفة،ولها قادتها المعروفين في الشوارع والميادين.
ما حدث في 25 يناير 2011 هو:
محاولة للتحرر من أسر معادلات الانقلاب الأول الذي تم في يوليو 1952، وما أفرزته من شبكة علاقات ومصالح، وما نتجت عنه من قيم وسلوكيات، وما كرّسته من أصول للحكم تقوم على: الشللية والدُفْعَة والبلديات (الأصول الجهوية).
ما حدث في 25 يناير هو محاولة للثورة، ويكفيها فخرًا شرف المحاولة.
فلا يمكن لثورة أن تقوم لتنادي بتحسين أحوال الناس، فإذا الأحوال أسوأ من سابقتها بمراحل،بل ومسافات ضوئية.
ولا يمكن لثورة أن تقوم لتطالب بالحرية والحياة المدنية الكريمة، فإذا هي أمام نظام عسكري موشّى ببعض التزيينات المدنية التي لا تفعل أكثر من إضفاء غلالة رقيقة من الشرعية.
ولا يمكن لثورة تقوم تطالب بالعدالة الاجتماعية، فإذا الدولة والمجتمع والناس في قبضة رجال أعمال مبارك وولده جمال وشركائهما، وإذا بحسين سالم (وولده) حرًا طليقا.
ولا يمكن لثورة أن تقوم لتطالب بالخبز، فإذا الحياة جحيم لا يُطاق، وإذا الأسعار نار تشوي، وإذا العيشة نفسها جهنم، وإذا الخبز (نفسه) على البطاقات التموينية، ومن ليس معه بطاقة فهو من الأغنياء الذين يقدرون على الشراء بالأسعار السياحية.
ولا يمكن لثورة أن تقوم لتطالب بحقوق الإنسان فإذا أحكام الإعدام بالمئات، وإذا المعتقلين بالآلاف ولا أقول بعشرات الآلاف، وإذا انتهاكات الإنسان نفسه في أقسام الشرطة أفظع وأشد تنكيلا.
وإذا بجهاز الشرطة بكامله عاد لينتقم من الشعب المصري في سيادة عقلية ثأرية مما حدث له في 28 يناير، يوم انكسر عندما حاول الشعب –فقط حاول- أن يتحرر من هيمنة الشرطة وجبروتها.
ولا يمكن لثورة أن تقوم لاستعادة مصر دورها الإقليمي والقائد فإذا بالدولة (حكومة ومعارضة) يلعب بها صغار وعيال الحكام ولا أقول الدول أو الحكام، وإذا بالدولة المصرية نفسها في مهب رياح التغيير الدولية، وإذا بصغار الفاعلين في العلاقات الدولية تلعب في مجالها الحيوي ولا من مجيب:
يسيطر الحوثيون على اليمن وخطورة باب المندب لقناة السويس من المعلوم في السياسة الدولية بالضرورة،فلا أحد يتحرك.
ويسيطر الدواعش على مناطق شاسعة من سوريا والعراق فلا أحد يشعر بالخطر.
وإذا بسيناء معقل للإرهاب الدولي، وبؤرة حصينة منيعة، ولا تقدر الدولة إلا على المدنيين والأهالي السيناوية.
ويتمدد الإرهاب للداخل، وتتهدد الدلتا ذاتها فلا سميع ولا مجيب إلا توظيف القبضة الأمنية في إحكام السيطرة المطلقة على الحياة المدنية.
نحتاج إلى أن نتحلى بقدر كبير من الشجاعة الأدبية والأخلاقية حتى نعترف أن ثورة يناير هي محاولة للثورة والانعتاق ركبها كل صاحب مطمح وكل صاحب مطمع، ولم ترد يد لامس، فتكلم باسمها كل من هبّ ودبّ،ولم تستطع أن تحمي نفسي من الدخلاء والمدخولين.
فما وجدنا في التاريخ ثورة تتحاكم إلى قوانين الحاكم الظالم الذي ثارت عليه.
وما وجدنا في التاريخ ثورة تخلع الحاكم الظالم لتولّي حرسه ومجلسه العسكري،وتسمح بانتقال السلطة إليه ليدير شؤون البلاد (والله الموفق والمستعان).
وما وجدنا في التاريخ ثورة تقوم على أوضاع ظالمة ليتكلم باسمها حارقو مباخر الحاكم الظالم الذي قامت عليه الثورة من صحفيين وإعلاميين ورجال يأكلون بالدين الذي يزعمون الدعوة إليه.
ما وجدنا في التاريخ ثورة تقوم لتنادي بالعدالة الاجتماعية فيكون نشطاؤها السياسيون، ورؤساء أحزابها رجال الأعمال الذين يأكلون أموال الناس من البنوك بالباطل وبالرشاوى والعمولات والنهب.
ثانيا: إن كل ما أحرزته الثورة المضادة من نجاحات هو حاصل إخفاقات محاولة يناير التحررية، فهي أشبه بلاعب يحرز خصمه الأهداف في مرمى نفسه، وليس في مرمى الخصم.
ومع ذلك فثورة يناير وإن لم تكن ثورة كاملة إلا أنها أحدثت علامة فارقة في تاريخ الأمة المصرية، ولا يمكن للأوضاع التي ثارت الناس عليها أن تعود كما كانت، صحيح أنها ربما كانت الآن أسوأ، لكن معارك التحرر المجتمعي كرّ وفرّ، وإقبال وإدبار، وصعود وهبوط، وهذه هجمة مرتدة من الثورة المضادة حققت فيها كثيرًا من النقاط، إنما مخزون الانفجار كامن، وحلم الثورة لا زال يراود كثيرا من الشباب، ولا زالت المطالب الحقيقية في الخبز والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية هي هي، ومن أدام طرق الباب يوشك أن يفتح له، وقد طرق الشباب باب الحرية طويلا.
ثالثا: يخطئ من يظن من الحكام الجدد أنه يمكن عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وأن الشباب الذين ثاروا على العبودية يمكن أن يقبل بمجرد تحسين شروطها، وأن الذين ثاروا على الدولة الأمنية يمكن أن يكون سقف أحلامه تعديل قانون التظاهر.
ما يحدث في مصر هو صراع خماسي بين: عقليات،وأفكار،وأجيال،وطموحات، ومناهج حياة.
صراع بين الماضي الكئيب الذي يريد أن يظل جاثمًا على صدر الوطن، والمستقبل المشرق الذين يؤمن بالعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
صراع بين الحكم المدني والحكم العسكري وإن تسربل برداء من غلالة مدنية رضيت أن تكون ديكورًا شكليًا.
صراع بين أبناء الدولة المدنية وأبناء الدولة العسكرية، وكل أمّ يتبعها ولدها.