رحل اليوم الصحفي الشهير مفيد فوزي، وما أن سمعت نبأ الوفاة، حتى تمثل في ذهني بعض أشياء في المهنة التي تجمعني به، كان مفيد صحفيا نشيطا لا شك،

وله اسمه الكبير وجهده الطويل، لكنه أعطى عبر مسيرته الصحفية تصورا للصحفي  على أنه لحوح زنان متطفل مُحرج، يسعى وراء الخبر بهمة وجرأة، ولا يلتفت في سبيل هذه المهنة،

 إلى ما يتعرض له من إحراج أو امتهان في بعض الأحيان، فالمهم أن ينجح ويحقق هدفه.. لقد كان صحفيا ناجحا لا شك.

الأمر الثاني بغضه للشعراوي

 أن النجاح قد يفتقد الحكمة أحيانًا، فرغم كبر سنة الذي قارب التسعين عاما، فقد طلع علينا منذ سنوات بتصريحه الناقد والمعادي للشيخ الشعراوي،

وهي فعلة تفتقد إلى الحكمة والرشد والوعي، ولم يدفعه إليها إلا بغضه الشديد للراحل الشعراوي، الذي يحتل مكانة كبيرة في قلوب المصريين والمسلمين جميعا،

مما جرت عليه سخطا عنيفا من الجماهير،

وصار كلما ذكر مفيد فوزي صب عليه القاصي والداني لعناته، لأنه أهان رمزا دينيا للمسلمين،

وغياب الحكمة في هذا الأمر لا لأنه انتقد عالما دينيا مسلما، ولكن في المقام الأول، لأن مفيد على دين مغاير لدين المسلمين،

 ومن ثم سوف يؤخذ مرمى كلامه على الطعن في الدين، قبل أن يكون طعنا في شخص بعينه، أو انتقاد فكر بذاته،

ومن هنا كانت الشهادة بغياب الحكمة في رجل يفترض من تجارب السنين أن تكون وهبته من أقدارها ورشدها.

إنهم سعداء بموت مفيد فوزي

عجبا هل يسعد أحد بموت أحد؟

وإن كنت أيها القارئ تريد لوم هؤلاء الذين أبدوا سعادتهم وهللوا بموت الراحل مفيد فوزي، فعليك ابتداء أن تعذرهم في هذا الشعور،

بل عليك أن تبدأ الأستاذ مفيد نفسه بهذا اللوم لأنه  من علمنا معنى هذه السعادة والشماتة والفرحة بموت الآخرين،

حينما أعلن هو من قبل أنه فرح وسعيد بموت الشيخ الشعراوي؟

الحمد لله أن مفيد قدم للفرحين الرخصة في هذا الفرح، وإلا لكانت مطارق اللوم شديدة على رؤوس من فرح وسعد دون رخصة.

الرجل بعداوته للشيخ الشعراوي وصفاقته في تعبيراته عن فرحه بموته، كانت مستفزة إلى أبعد حد،

ولم تبق لنا أي شفقة عليه، مما هيجت عليه الدنيا وأفقدته الكثير من احترام الناس، فإذا به يدرك خطأه الشنيع، فيعلن أمام الجميع ندمه على ذلك، ولكن بعد خراب مالطة.

لم يكن إعلان هذا الندم لأنه شعر بأنه بدا حقيرا في فرحته في رجل ميت، ولا لأنه أدرك أنه أخطأ في حق رجل كبير،

وإنما كان الندم لشعوره بخسارة  جهور كبير حينما ارتطم بقامة جماهيرية محبوبة، جعلته في مرمى الكراهية.

شأنه كشأن الممثلة داليا البحيري التي تراجعت مخزية عن خطئها في أبو تريكة التي شعرت معه أنها فقدت جماهيريتها وتعرضت لقصف مباشر من القراء والمعلقين،

هكذا فعل مفيد فوزي الذي أبدى ندمه في تصريحاته عن الشيخ الشعراوي،

لأنه عرض نفسه لهجوم الملايين عليه، وإن كان ثمة من يحترمه بعض الشيء، فقد خسر هذا الاحترام حينما سمح لهواه وحقده أن يغلب على لسانه.

وهنا يجب أن نسجل كيف أن مفيد فوزي من طبقة المسيحيين المتطرفين بهذا التصريح الغبي؛

الذي صدر منه وكشف لنا النقاب عن حقيقته المتطرفة،

لقد كان أولى به وبعيدا عن الحكمة من عدمها، أن يتبع رمز كنيسته ويقلد سماحة رمزه الديني البابا شنودة،

في وفائه وإعلان محبته وأساه على فقد الشيخ الشعراوي، لكن مفيد لم يفعل.

يقول البابا عن بدء علاقته بالشيخ الشعراوي:

بدأت عندما مرض الشيخ الشعراوي ودخل إحدى المستشفيات في انجلترا

فبعث إليه البابا شنودة وفدا من الآباء والأساقفة للاطمئنان على صحته، وقدموا له باقة ورود وعلبة شيكولاتة.

عندما تعافى وعاد إلى مصر زرته في مكتبه، وقال لي «لقد طوق أبناؤك عنقي بمحبة كبيرة».

وقال البابا شنودة إنه قدّم للشيخ الشعراوي نسخة نادرة من 20 جزء من كتاب لسان العرب لابن منظور،

فرد عليه الشيخ الشعراوي بـ«عباءة» قدمها له هدية، يقول البابا: أهداني الشيخ هدية أفضل مما أهديته.

ومن هنا بدأت العلاقة بين الشيخ والبابا والتي حفلت بالكثير من المواقف الإنسانية

التي رواها الاثنين، وربما جمعهما حب الشعر والبلاغة أكثر من أي شيء.

وكان آخر لقاء جمع بينهما في جنازة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الشريف،

حيث يقول البابا:

كان فضيلة الشيخ الشعراوي يجلس قرب باب السرادق، وعندما رآني نهض ليسلم علي،

ولكنني منعته لأن صحته لم تكن تحتمل النهوض كثيرًا.

واحتفظ البابا شنودة بصورة للإمام الراحل محمد متولي الشعراوي، في مكتبه، ونعاه بكلمات مؤثرة قائلًا:

«كان صاحبي.. والله يعلم كم تأثرت بوفاته ..

كان عالما كبيرا فقيها في اللغة كان محبوبا من شعبه وكانت صداقتنا تسعد الملايين من المسلمين والمسيحيين».

وهذه المحبة بين الباب والشعراوي تضعنا أمام تساؤل مهم: هل كان مفيد فوزي متمردا على الكنيسة؟

 أم أنه مسيحي متطرف؟ أم أنه كان رجلا غبيا وكبر وخرف؟!