لقد أيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الجذوة وأشعلها في قلوب أصحابه فأحبوا الله أكثر من أنفسهم، وآبائهم، وأُمهاتهم، ومن الماء البارد على الظمأ، ورضوا أن يبذلوا نفوسهم ومهجهم وهم فرحون مستبشرون.

 

قال تعالى:{إنَّ اللهَ اشْتَرَى منَ الْمُؤْمِنينَ أنفُسَهُمْ وَأمْوَلهُمْ بأَنَّ لَهُمُ الجنُّةَ يُقاتُلونَ في سَبيل اللهِ فَيَقتُلُونَ وَيُقْتُلون وعدًا عَلَيه حَقًا في التَّوْرَاة والإنجيل وَالقُرْآنِِ وَمَنْ أوْفي بِعْهدِهِ منَ اللهِ فَاستَبْشِرُا بِبِعكُمُ الَّذى باَيَعْتُمْ بِهِ وذلَك هُوَ الْفَوْزُ الَعظيمُ (4)}

 

وانعكس ذلك على أفعالهم كلها وعلى بذلهم لدين الله تعالى الغالي والنفيس من الأموال والأنفس وهل ثمت علامة على كمال الحب أكبر من الجود بالنفس من أجل الحبيب؟ تعالوا بنا نتأمل في بعض مواقفهم

 

لما لم يشهد أنس بن النضر، يوم بدر، شق ذلك عليه وقال: لئن أراني الله تعالى مشهداً فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله عز وجل، ما أصنع فشهد مع رسول الله يوم أحد، فاستقبل سعد بن معاذ، فقال له أنس: يا أباعمرو أين؟؟ واهاً لريح الجنة إنى أجده دون أحد.ثم قاتل حتى قتل، ووجد في جسده بضع وثمانون: بين ضربة سيف، وطعنة رمح، ورمية سهم ولم تعرفه إلا أخته. عرفته ببنانه.

 

وفيه وفي أصحابه نزلت هذه الآية الكريمة :(مِن المُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدقُوا مَاعَاهَدُوا الله عليهِ فَمنْهُم مَّن قضَى نَحْبَهُ ومٍنْهُم من ينظر ومَا بَدَّلُوا تَبْديلاً)

 

الأمثلة كثيرة دعنا نمر بمثل آخر :

 

قال عمر: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير، وعليه إهاب كبش قد تمنطق به، فقال: (انظروا إلى هذا الرجل الذي نوّر الله قلبه. لقد رأيته بين أبويه يغذو انه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون).

 

ولما هم المسلمون بفتح فارس، وكانت موقعة القادسية في السنة السادسة عشرة، حضرت الخنساء وأوصت بنيها الأربعة فقالت: يابني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين.والله الذى لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة. ماهجّنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية. اصبروا وصابروا، ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت ناراً على أرواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. فلما أضاء الصبح، باكروا إلى مراكزهم. فتقدموا واحداً بعد واحد، ينشدون أراجيز، يذكرون فيما وصية أمهم لهم حتى استشهدوا جميعاً.

 

فلما بلغها الخبر قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. ومحبة الله هي التي حملت مصعب بن عمير على ترك ما كان ينعم به من طيب العيش إلى الشظف والحرمان.

 

إن حب الله تعالى قد شغلهم عن أنفسهم فاسترخصوا كل نفيس واستصغروا كل متاع وهانت عليهم أنفسهم في الله تعالى فأكرمهم الله بمحبته وبالبذل الذي به يستحقون القرب منه.