السلفية بحاجة إلى روح الصوفية، والصوفية بحاجة إلى صرامة السلفية، فهما وجهان للفكر الإسلامي، فلا السلفية وحدها تمثل حقيقة الإسلام، ولا الصوفية وحدها تكون ناطقا رسميا باسم الإسلام، فنحن مع تسليف الصوفية في بعض الأوجه، ومع تصويف السلفية في بعض الأوجه، فالطريق إلى ذلك هو الحوار، هناك سلفية متشددة لا تقبل الحوار، ولدينا صوفية متنطعة لا تجيز الحوار مع السلفية، وليس عندي شك في أن السلفيين الكبار لو قرأوا كتب القوم بانفتاح وإخلاص لتغير موقفهم، ولو قرأ كبار الصوفيين آراء ابن تيمية وابن القيم في التصوف السني بإخلاص وانفتاح وطلب للحق فقط لتغير مواقفهم، فالمشكلة تكمن في القفص، حبذا لو خرجنا من القفص قليلا، واستمتعنا القراءة الحرة.

 

أدعو الشيخ محمد أمل، وهو فَقِيه وقارئ جيد إلى أن يراجع مواقفه من التيارات الأخرى، وأدعو التيار الصوفي أيضا إلى أن يراجع قراءاته عن الآخرين، فلا مناص من التعايش السلمي بين الجماعات، فالفوضى الدينية خراب، كما أن الفوضى السياسية عذاب ، فنحن لا نريد لشعوبنا أن تجتمع عليهم العذاب والخراب معا في آن واحد.

 

ليس هناك من هو أكبر من المراجعة، وليس هناك من هو أكبر من الحق، فالمراجعة طريق للعودة إلى الصواب والرشد، والنفس اللوامة هي التي ترى أن الحق مطلوب لذاته، وليس لغيره، فشعوبنا بحاجة إلى حلول جذرية، ومن الحلول الجذرية مراجعة المواقف السياسية والفكرية والفقهية، ولا حياء في الدين، بل من الشجاعة إجراء المراجعة مع الذات، ومع الغير كما فعل التيار الإسلامي (الجماعة الإسلامية) في مصر، وأعلنوا براءتهم عن تاريخهم، وليس هذا بدعا، بل المشكلات هي التي تجعل الإنسان يراجع برامجه، وخطابه، ومواقفه، ويحسّن أيضا أداء أدواره المختلفة .

 

هذه دعوة صادقة من أخ في الله يحب الجميع، فلست مع السلفية ضد الصوفية، ولست مع الصوفية ضد السلفية، فأنا معروف للجميع بتوجهي الفكري (الإصلاح)، ولكنى لست منغلقا في قفص حركي، ولست منغلقا في قفص وطني، كما أنني لست منغلقا في قفص سياسي، بل لست منغلقا في قفص مذهبي، أحاول أن أستفيد من الجميع، وأن أدافع عن الجميع، ومذهبي هو الحوار، وغايتي رضا الرحمن، وسبيلي للوصول إلى الغاية هو الدليل، والدليل عندي هو النص، والنص يحتاج إلى فهم، ولهذا لا أجعل عقلي أسيرًا عند أحد، فأنا أحب ابن تيمية بلا حد، ومع هذا لست تيميا، وأعشق أفكار الغزالي بلا سقف، ولكنى لست غزاليا، وعندي ميول صوفية، ولكنى لست صاحب شطحات، ولدي انحياز للمذهب السلفي، ولكنى لست حاد الطبع، ولا فوقيا في التعامل مع الناس، وعندي قرابة روحية مع التبليغ ، ولكنى لست على تدين الهنود ، فقد نجحت والحمد لله أن أكون وسطيا في التعامل مع الأطراف، وهذه نتجت من مراجعة فكرية عامة وشاملة ، ولهذا لست بلا ذات ، ولكنى أيضا لست ذاتا في الذوات.

من د. عبد الرحمن بشير

داعية ومفكر إسلامي، من جيبوتي