د. أبو يعرب المرزوقي، فيلسوف عربي تونسي

طالبان الحالية ليست طالبان القرن الماضي هم طلبة شروط النجاح وليس طلبة إحياء المنكافات الجامعية لمراهقي طلبة تونس:

الآن فَهِمَت معنى «اذهبوا فأنتم الطلقاء» لأنها فَهِمَت أن بناء المستقبل لا يكون من دون أفاضل الماضي.

ولا يوحد ماض عديم الأفاضل.

فَهِمَت بعد عقدين من المقاومة أن القطيعة لا ينبغي أن تكون مع الماضي بل مع ما فسد منه وأن قيام الدول يحتاج لمن مارس الحكم وليس لمن سجن في النضال.

فالوزارة ليست لعبة:

لا يكفي النضال مهما كان صادقا بل لا بد من سابق ممارسة في الدرجات الدنيا من العمل السياسي والإداري لتسيير شروط الرعاية وشروط الحماية:

كل الجيش والكوادر والمؤسسات والبنى التحتية التي عملتها أمريكا ستكون في خدمة النظام الجديد في أفغانستان:

لذلك فهم طمأنوا الجميع وقالوا ما يشبه «اذهبوا فأنتم الطلقاء»

ولولاها لما أمكن للمسلمين الانتقال مباشرة من حروب القبائل الأهلية إلى الفتح العالمي:

خرافة اختارنا الشعب إذن نحكم وحدنا أو نحكم مع الطراطير الذين لا قاعدة لهم من علامات الحمق والسخف لأن الخاسر هو من يستعمل العاجزين.

ولو سمع قيادات «دعها حتى تقع» هذا الرأي لكانت الحال دون الحال

ولما حكموا أصلا بل لاكتفوا بكتابة الدستور بإجماع كل من انتخبوا لهذه المهمة من كل الحساسيات السياسية:

لكنهم فضلوا شيطنة الحزب الثاني في انتخابات 2011 رغم

أنه كان منهم لمجرد خصومة معهم – تماما كما فعلوا مع مورو لاحقا – حتى وضعوا مبدأ من يخرج من الحركة يفقد وزنه

ونسوا أنه يوجد من لم يدخل وقد يزن أكثر منهم – كما في انتخابات 2014

وعملوا تماما عكس ما كان ينبغي عمله ربما لأنه عنده البون سونس ولأنه ربما أكثر إخلاصا للاستئناف.

فتحالفوا مع «مدجنة» المخربين – وقد حُذِّروا منهم – بدعوى أنهم ثوريون فإذا هم عين العدو لكل ما يمكن أن ينجح التحول الديمقراطي السلمي

ثم ساهموا في «تكبير» رأس الدمية بما مكنوه منه من ثقل انتخابي

لأنه عمل معهم ما عمل نظيره في مصر لأنه يعلم أنهم لا يميزون بين تقية الباطنية وتقوى صادق المؤمنين وحريص الناصحين.

وقبله حافظوا على من كان يمكن للسبسي أن ينجي منه تونس بعد أن فهم حقيقته كما فعل قبله مع المزروب.

فلعب بعقولهم مدعيا أنه سيقاسمهم الغنيمة.

تركوا الجوهري في العمل السياسي وبناء القوة القاعدية ففتتوها

وبقوا سنتين يناورون للحفاظ على كرسي «يردح» أفقد صاحبه كل فاعلية وخرب كل ما عمل عليه طيلة عمره

لكن الخطأ الأساسي كان بداية الترويكا إذ هم فضلوا «البوزڨليف على» كل من خرج على بورقيبة لما تحول إلى نظام مستبد

وكلفوا من يتعلمون الحجامة في اليتامى بتحرير دستور لا يبين إلا الحق المتجلي لأن ما أريد به منع الاستبداد صار عين الثغرات التي تجعله حتميا

وصارت الحرب على الماضي أهم من التفكير في المستقبل بدل إلغاء حزب التجمع حتى لا يتوزع الخبثاء منه على كل الاحزاب والاتحاد فتصبح مناوراتهم خفية

وبدل احياء الحزب الحر الدستوري الذي قضى عليه ابن علي بتجميع كل

الذي طردوا منه بأن خرجوا عليه لما تحول تدريجيا بسبب صراعه مع اليساريين والقوميين

وخاصة طمع العاشرويين في الحكم إلى دكتاتورية بعد أن أصاب بورقيبة الخرف

ثم استعانوا بدراويش مصر من «دجالي» السلفية وعبيد الداخلية في تعليم التوانسة دينهم

وأصبح العمل السياسي لا يكاد يتجاوز الجلوس على كراسي لا سلطان لها على أي شيء عدى الدعاء والتوسل للمافيات النقابية.

والآن يدّعون النقد الذاتي والمراجعات:

بمن؟

ثم مراجعة ماذا؟

لما قيل لهم أن خرافة التعويض الرسمي من الدولة هي انتظار جودو

وأن المسألة كان يمكن ان تعالج حتى بزكوات أعضاء الحركة ناصبوا من نصحهم بذلك العداء

ولما عيل صبر الذين ضحوا حقا وضاع مستقبلهم ومستقبل ابنائهم وانفض ثلثا القاعدة ما زالوا يمنون من بقي حيا منهم بالكذب والوعود.

لذلك لما زعموا الدعوة للتصدي لتسكير المجلس لم يستجب أحد ثم يواصلون الكذب فيزعمون أنهم هم من قرر عدم النزول.

أول شروط المراجعات الصدق والصراحة وبيان الحقائق كما هي ثم تغيير القيادات

والاستعانة بحكيم أو بحكماء يكونوا محايدين ولا يتبعون أيا من الصفين المتنازعين حتى يكون الانطلاق نحو الإصلاح على قاعدة سليمة.

من د. أبو يعرب المرزوقي

فيلسوف عربي تونسي