د. أحمد زكريا

الوقفة الأولى:

كذب ما يسمى الظواهر الطبيعية، فليس للطبيعة قدرة على فعل شيء، بل  الكون كله بيد الله، يحكم فيه بحكمه، ويدبره بأمره، كيفما شاء، ومتى شاء، على الوجه الذي يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

الوقفة الثانية:

شاهدنا فيما حدث عظيم قوة  الله وبالغ بطشه وجبروته، وذكّرنا هذا الزلازل بزلزال يوم القيامة، وعرفنا مقدار ضعفنا وفقرنا واحتياجنا إليه سبحانه، ورجونا أن تزول الغشاوة عن القلوب الغافلة، فترجع إلى الله، وتقلع عن عصيانه، والتمرد على شرعه.

 الوقفة الثالثة: 

فضح هذا الزلزال زيف الإلحاد والملاحدة، حين استيقظت فطرة الناس جميعا صارخة: الله أكبر، يا رب رحمتك، وفرجك، ولطفك بعبادك، وتحطمت في قلوبهم كل الآلهة الزائفة،

الوقفة الرابعة:

رغم عظم المصاب، وفداحة الكارثة، وألم المعاناة إلا أن الحدث يقع وفق سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير، فقد جعل الله الدنيا دارا للابتلاء والامتحان، وليست دارا للتنعم والاستجمام،

قال تعالى:

{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} 

فما حصل من دمار وموت وتشرد جرى وفق سنة الله الثابتة، قال تعالى:

{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}

وقال سبحانه: 

{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.

الوقفة الخامسة:

علّمنا الزلزال أن نصيب المسلم من البلاء أكبر من نصيب الكافر، كيلا يركن المسلم إلى الدنيا،

وينشغل بها عن الآخرة، وليبقى قلبه وهمه متعلقا بالآخرة دار النعيم قال تعالى:

{ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}

ولِهوان الدنيا على الله لم يرضها جزاءً لأوليائِه،

بل أذن أن يصيبهم من البلاء واللأواء ما لم يصب غيرهم، فكانوا الأشد بلاء،

ونالهم من الأذى ما لم ينل غيرهم، قال  أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل يبتلى المرء على قدر دينه،

وذكّرنا أن هناك أنبياء أذن الله أن يقتلهم أعداؤهم ويعذبوهم ويحاصروهم ويؤذوهم،

وأن الغلام وأصحاب الأخدود وسحرة فرعون فازوا وانتصروا حين دفعوا أرواحهم ثمنا للجنة،

ما ينفي أن تكون السلامة في الدنيا علامة على رضا الله أو تكون خسارتها دليلا على سخطه.

الوقفة السادسة:

من حِكٓم الله في ما وقع أن يصطفي ممن مات من المسلمين شهداء،

قال تعالى: {ويتخذ منكم شهداء}

وقال : «وصاحب الهدم شهيد».

الوقفة السابعة:

من حِكٓم الله فيما وقع أن يستخرج عبودية الصبر ممن حل بهم البلاء،

وعبودية الإنفاق والمواساة وتحقيق المؤاخاة ممن عافاهم الله تجاه إخوانهم المنكوبين.

الوقفة الثامنة:

لمن سأل لماذا لا تصيب هذه الكوارث الكفار والملاحدة وألد أعداء الله وتصيب المسلمين؟

نذكّره أن سنة الله في المؤمنين أن تقع عليهم المصائب في الدنيا لترفع درجاتهم في الآخرة وتكفر خطيئاتهم قال :

أمتي أمةٌ مرحومةٌ ليس عليها عذابٌ في الآخرةِ، عذابُها في الدنيا: الفِتنُ والزلزالُ والقتلُ،

أما الكفار فسنة الله فيهم الإملاء والأمهال والاستدراج حتى ينالوا عقوباتهم كاملة يوم القيامة

قال تعالى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين}.

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث