ما يزال الشيخ رائد صلاح نموذجا فذا للمقدسيين الأباة الذين يجذرون في الأمة ذكرى القسام والشيخ أحمد ياسين وغيرهم من الأبطال ،في الوقت الذي يرتع فيه نفر من بني جلدتنا على موائد اليهود،بل ويباركون جرائمهم على القدس وأهل فلسطين الحرة الأبية!
رأيته اليوم يحاولون سجنه وتكميم صوته،في وسط صمت مفجع من حكام العرب والمسلمين،لكنه كما عرفناه لا تزده المكائد إلا قوة وعزة.
نظرت إليه.. وإذا بي أجد أسدًا لم تزده المحن والبلاءات إلا صلابة ومضاء وعزما ًعلى مواصلة نصرة الأقصى.. بل جعلها الرجل قضية عمره.. وما أعظمها من قضية.
ومشاركة منا في نصرة الأقصى وإجلالا ً لهذا البطل.. نقدم بعضا ًمن سيرته العطرة نموذجا حيا للرجولة والزعامة الصادقة.. في وقت اقتحم فيه أشباه الرجال منصات الزعامة الحنجورية والدعائية.. التي لا تكلف شيئا ً من تعب وعناء ومشقة.. وفي نفس الوقت تجلب الشهرة والمجد والمال.
إنه الشيخ رائد صلاح محاجنة من مدينة أم الفحم رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين 1948م.
تعده الأوساط اليهودية أكثر تطرفا من الشق الثاني الذي يتزعمه الشيخ إبراهيم صرصور.. ويعود الخلاف بينهما حول مبدأ دخول الكنيست الإسرائيلي الذي يؤيده صرصور في حين يعارضه صلاح بشدة.
ويعد الشيخ رائد صلاح رئيس “الجناح الشمالي للحركة الإسلامية” داخل إسرائيل من أشهر الشخصيات السياسية الإسلامية داخل إسرائيل.. ومن أكثرها مواجهة للسياسات العدائية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم.
النشأة
الشيخ رائد صلاح هو من مواليد مدينة أم الفحم شمال فلسطين المحتلة عام 1958..وهو أب لثمانية أبناء.. وينتمي لإحدى العائلات الفلسطينية “أبو شقرة”.. التي بقيت في أرضها ولم تنجح العصابات الصهيونية من تهجيرها عام 1948م.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في أم الفحم.. وحصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل الإسلامية في فلسطين.
بدأ الشيخ صلاح نشاطه الإسلامي مبكرًا.. حيث اعتنق أفكار الحركة الإسلامية العالمية “الإخوان المسلمين”.. ونشط في مجال الدعوة الإسلامية في داخل الخط الأخضر منذ كان في المرحلة الثانوية.. وكان من مؤسسي الحركة الإسلامية في داخل الدولة العبرية في بداية السبعينيات.
وظل من كبار قادتها حتى الانشقاق الذي حدث نهاية التسعينيات بسبب قرار بعض قادتها ومنهم الشيخ عبد الله نمر درويش رئيس حركة خوض انتخابات الكنيست.
النشاط السياسي والدعوي
خاض الشيخ صلاح الغمار السياسي من خلال ترشيح نفسه لانتخابات بلدية أم الفحم ” كبرى المدن العربية داخل إسرائيل” التي نجح في رئاستها 3 مرات.. كان أولها في عام 1989م.
واهتم الشيخ صلاح اهتمامًا كبيرًا بقضية المقدسات الإسلامية من مساجد ومقابر ومقامات.. نظرًا لتعمد الإسرائيليين الاعتداء عليها وتحويلها لأغراض أخرى بعد رحيل أهلها عنها.
وانتخب في أغسطس 2000م رئيسًا لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد في كافة أراضي فلسطين.. ونجحت في إظهار محاولات الاحتلال المتكررة للحفر تحت المسجد الأقصى.
وبدأ نشاط صلاح في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات يتعاظم منذ عام 1996م .. واستطاع أن يُفشل المخططات الساعية لإفراغ الأقصى من عمارة المسلمين عن طريق جلب عشرات الآلاف من عرب الداخل إلى الصلاة فيه عبر مشروع مسيرة البيارق.
ونجح صلاح وزملاؤه في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة.. وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها.. وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس.
وعمل أيضًا على إحياء دروس المصاطب التاريخية.. وأبرزها “درس الثلاثاء” الذي يحضره اليوم نحو 5 آلاف مسلم أسبوعيًا في المسجد الأقصى.
وساهم رئيس جمعية الأقصى في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصى الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل.. وتنظيم المسابقة العالمية “بيت المقدس في خطر” التي تجرى أعمالها سنويًا في شهر رمضان للكبار والصغار بمشاركة عشرات الآلاف من كافة أرجاء العالم.. بالإضافة إلى مسابقة الأقصى العلمية الثقافية.
كما ساعد في إصدار عدة أفلام وثائقية وكتب عن المسجد الأقصى المبارك كشريط “المرابطون”.. وكتاب “دليل أولى القبلتين”.. وشريط “الأقصى المبارك تحت الحصار”.
في الوقت نفسه كان للشيخ صلاح دور بارز في الحركة الإسلامية داخل إسرائيل.. وهي الحركة التي نظمت مهرجان صندوق الأقصى في أغسطس 2002م.. وأثار قلق السلطات الإسرائيلية في حينها.
المواجهة مع سلطات الاحتلال
أعتقل هو وأربعة آخرون.. حيث لفق لهم اتهامات عدة تعتبر خطيرة خرجوا منها.. لأن السلطات الإسرائيلية لم تستطع إثبات أي من التهم الموجه إليهم.. كالاتصال بجهة معادية (إيران) ودعم الإرهاب وغيرهما.. بينما كان واضحا ً.. أنما اعتقلوا لاهتمامهم بقضية المسجد الأقصى .. يعتبر من أكثر الشخصيات شعبية في أوساط عرب 1948م.
شغل منصب رئيس بلدية أم الفحم ولكنه استقال.. لأنه كان مشغولا ً بمشاريع خيرية كإعمار المقدسات والدفاع عن المسجد الأقصى.. وترعى حركته مشاريع كثيرة كـ”مسيرة البيارق” .. والتي هي عبارة عن تسيير حافلات إلى المسجد الأقصى .
وبرز الشيخ صلاح الذي اعتقلته الشرطة الإسرائيلية فجر الثلاثاء 13-5-2003م.. إضافة إلى 13 من قادة الحركة الإسلامية بزعم أنهم قاموا بتبييض أموال لحساب حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.. في مجال الدفاع عن المقدسات والأوقاف الإسلامية .. وخاصة المسجد الأقصى المبارك.. حيث ترأس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية.. والتي تعمل على حماية وترميم المقدسات والأوقاف التي حولتها سلطات الاحتلال إلى حظائر وخمارات ودور للبغاء.
وتقيم الحركة الإسلامية بزعامة الشيخ صلاح سنويًا مهرجانًا عالميًا تغطيه عشرات القنوات الفضائية العربية والأجنبية في مدينة أم الفحم باسم “الأقصى في خطر”.. ويحضره نحو 60 ألف فلسطيني.
ورأت مصادر في جهاز الأمن الإسرائيلي عام 2002م أن إقامة هذا المهرجان ينبع من اعتقاد قادة الحركة بصورة راسخة بصحة نظرية المؤامرة الإسرائيلية الهادفة إلى المس بالمسجد الأقصى وتدميره.. معربة عن خشيتها أن يتقبل شبان عرب ما وصفته بهذه “الادعاءات” ويترجموها لممارسات معادية لإسرائيل.
وعمدت السلطات الإسرائيلية إلى التضييق علي الشيخ صلاح منذ فترة طويلة.
ففي بداية أكتوبر 2002م أعلن أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يرجح وجود أساس راسخ لتقديمه وعدد من قادة الحركة الإسلامية للمحاكمة.. وتلقت وزارة العدل الإسرائيلية التي يعكف المسئولون فيها على مناقشة مستقبل الحركة الإسلامية في إسرائيل توصية بهذا الصدد.
وقالت مصادر في الشاباك في حينها:
” إنه يمكن بدون أدنى شك محاكمة الشيخ رائد صلاح بتهمة إقامته علاقات مع تنظيمات معادية لإسرائيل في داخل البلاد وخارجها” .
وقالت:
” إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعتبر شقيقة الحركة الإسلامية في إسرائيل”.
وكانت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قد رفضت في يونيو 2002م التماسًا تقدم به الشيخ رائد صلاح لإلغاء أمر أصدره وزير الداخلية يُمنع بموجبه من مغادرة البلاد.. وقررت الهيئة القضائية في حينه أن الأمن العام يتغلب بأهميته على مبدأ حرية التنقل والحركة.
يشار إلى أن الشيخ صلاح تعرض لمحاولة اغتيال على يد قوات الاحتلال خلال مواجهات انتفاضة الأقصى .. وأصيب برصاصة في وجهه.
واستمر الشيخ رائد صلاح في الدفاع عن المقدسات الإسلامية واستمر الجيش الصهيوني يحاول إبعاد الشيخ عن مدينة القدس.. حيث منع الشيخ من دخول مدينة القدس عام 2009م.. ثم أصدرت المحكمة الصهيونية عام 2010م قرار بسجن الشيخ تسعة أشهر .
ولكن كان رد الشيخ:
“أننا سوف ندافع عن المسجد الأقصى حتى من داخل السجون.. وأن السجن لن يزيدنا إلا قوة”.
وكما استمر في دعوة الأمة الإسلامية لكي تقوم بواجب الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك .
ولا ننسى موقفه الرائع في أسطول الحرية.. وقد أشيع خبر استشهاده وأثلج هذا صدور الصهاينة.. لكن ليموتوا بغيظهم.
فقد نجي الله الشيخ.. وسيخرج من سجونهم عزيزا كريما ً بقوة الله وكرمه.. قد أثمرت محنته منحاً.
فكما قال – حفظه الله – في ” برنامج بلا حدود”:
قرأ في فترة الاعتقال الأخيرة كتاب البداية والنهاية كاملا ً.. وقرأ قدرا ً كبيرا ً من تفسير الشيخ الشعراوي.
وألف أثناء سجنه ديوان شعر بعنوان”أسطول الحرية”.. وكتاب “خواطر أسير”.. يحكي فيه ما رآه في المحنة.. وكتاب حول تأملاته في الدين والدنيا والسياسة.
بالإضافة لقراءات عديدة في الأدب والشعر.. مع متابعته لأحوال المساجين والاطمئنان على أحوالهم.
كل ذلك تم في خمسة أشهر.. وذلك يحسرنا على أنفسنا وعلى ما نضيعه من أوقات في أمور لا قيمة لها.
من هنا تنبع قوة هذا الرجل الذي يستغل كل وقته لخدمة قضيته.
نسأل الله أن يبارك في سعيه وفي سعي إخوانه المرابطين.. وأن يكتب لنا المشاركة في نصرة الأقصى المبارك.
ونحسبه ممن قال الله فيهم:
” الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ “.
- د. أحمد زكريا يكتب: هنا تسكب العبرات!! - يونيو 22, 2023
- د. أحمد زكريا يكتب: وقفات مع حرارة الصيف! - يونيو 20, 2023
- د. أحمد زكريا يكتب: وضوح الهدف علامة على صحة الطريق - مايو 22, 2023