وقد سألني فضلاء عن معنى الاسم الذي اخترته لقناتي في تليجرام «جزل الغضا» فوعدتهم بتوضيح ذلك في منشور، فكان هذا:

1-

أول ما عَلِقْتُ هذه الكلمة كانت من رائعة مقصورة ابن دريد التي قرأناها على شيخنا أحمدو الشنقيطي رحمه الله:

 واشتعلّ المبيضُّ في مسودّه… مثلَ اشتعالِ النار في جزل الغضا

2-

وأما الغضا فهي شجيرة صحراوية رملية، بل هي شجرة الرمال حقاً، تنبت على صعيد الكثبان الرملية العالية، وتقلّ في قيعانها، وكأنها تعلن تحدّيها لدوام الحاجة إلى الماء، حتى ظنّها الناس لشدة يباس سيقانها وجذوعها مستغنيةً عنه، ولكنها في حقيقة الأمر ذات جذور عريقة عميقة قوية تصل إلى عشرات الأمتار حتى تصل إلى الرطوبة وتمتصّ الماء منها.

3-

ولها تجمعات كبيرة يمكن أن تتشكّل منها الغابات لولا جرأة الناس عليها بالاحتطاب لِما اشتهر عن حطبها بأنه صلب يابس ثقيل شديد الاشتعال قويّ الحرارة، ويشتعل جمره ساعات أطول من غيره، والعجيب أن لحاءه رطب وإسفنجيّ.

4-

وأوراقها خضراء مستديمة هدبية لطيفة، وكأنها تخشى التعرض للشمس فلا تستعرض عليها بالتمدد فلا تفقد سوائلها القليلة، بل إنها تمتص الماء من رطوبة الهواء وتجمّعها ثم تصبّه نحو جذورها، كما أن الإبل وظباء المها تتعشّق رعي أوراقها الغضّة، وأحبّ في قناتي أن أكون لطيفاً سهلاً نافعاً مغذياً مكشوف الغرض بين الناس.

جزل الغضا

5-

ومجتمع أشجارها من الملاذات الطبيعية والموائل الملائمة لحيوانات الصحراء، بل إن الشجرة الواحدة منها تجد عندها دائماً دواب الصحراء وهوامها التي تستظل بها وتصطاد عندها، وتبني جحورها في ربواتها، ولم نكن نخشى ذلك لأنها مكشوفة يمكن تبيّن أيّ خطر جاثم فيها فنطرده، وأحبّ أن يكون اجتماع الناس في قناتي ملاذاً مثلها.

6-

وكنا إذا نزلنا الصحراء أحببنا الجلوس إلى شجرتها القريبة، والسمر في لياليها، وبيننا حطبها الجزل المشتعل الذي يسمر معنا ساعات ممتدّة، يعلوها إبريق شاي تتغنّى فقاقيعه، على تغنّينا بأشعار العشّاق الذين كانوا يضربون المثل على طول سهرهم بالنوم المتقلّب على جمر الغضا، وأحب أن يكون السمر على مثل تلك بموائد الفوائد.  

7-

كما أن الغضا شجر حصين قويّ ثابت يمنع تجريف التربة، ويواجه التصحّر وزحف الرمال،

وتتشكل حوله النَّبَكات الرملية بعد أن تسقط عنده الرواسب المحمولة على الرياح السافية التي تصطدم به وتتراكم على أغصانه،

كما يتحمل الغضا الرمال الملحية والحمضية والجافة، وأحبّ أن تكون قناتي قلعة حصينة يحتمي فيها الثائرون، ويرتبع عندها الراعون.

8-

وأما الجَزْل فهو القويّ المحكم، وجزل الغضا هو حطبها الصلب السميك الغليظ الذي لا تنطفئ ناره ولا تضعف إلا إذا فنيت مادته،

فأحببت أن تكون قناتي هنا على مثل ما هو حسابي في هذا الفضاء الأزرق جزلاً متيناً نافع الغَيْضة.

طالباً من الله المدد والعون والتوفيق.

من د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني