1- لم يلبس بزّة عسكريّ لأنه معلّم، إذ لم يكن ليغشّ في امتحان الآخرة، ولم يجد لنفسه قلماً جارحاً في شارع لا يعترف بالأصوات والأقلام، فأراد أن يعلمهم ويعلّم عليهم بسلاح معلّم يفهمون الدرس بإيضاحه العمليّ.
2- وربما ظنّ أرباب زوايا الأفلام وعشّاق الشاشات أن هذا المعلّم قد جعل على ظهره كساء باتمان الأسود أو تشبّه بسوبرمان، وما درى أن تلك هي عباءته السوداء المطرزة بالشوك المخطّط والرصاص المذهّب.
3- وقد اختارها ليقتحم على ذلك الضبع الأزعر عقر جحره المنجحر فيه عند بوابته، ولم يتخذها زينة يتجمّل بها أو وجاهة للقاءات تطبيع أو تنسيق أو معاملة مصلحة أو شهود احتفال.
4- وإنما اختار أبهى حُلّة عنده لأنه في فعلٍ شريف نبيلٍ أراده خاتمةَ حياتِه الواحدة فينبغي أن يترك هذه الدنيا الفانية على أكمل هيئة مودّعة يذْكرها بها أحبابه وإخوانه وأهله، كما أنه سيدخل بها بابَ كريمٍ ساطع الضياء أوّلَ ما يُجاوِز نفق الأوغاد المانعين المظلم، فيحبّ أن يكون في أبهى ملبس وأزْيَن هيئة متخيّلة.
5- كما أنه أرادها كفناً له يسكن به جسدُه الذي فارقته الروح إلى الملأ الأعلى فيهدأ ويطمئنّ، لأنه يعلم أن من بذل روحه في سبيل الله يكفّن في ملابسه ولو على سبيل النية لأن هذا المحتل يحرم أبدان المُضحّين من كرامة الدفن.
6- وعباءته سوداء موشّاة بلُحمة مذهّبة لإظهار استغنائه وعلو منزلته وعظم مكانته، فإن هذه العباءة مما يتخذها الناس للتفاخر والتمادح في مناسبات الناس الجامعة، لكنه هنا جعلها لمناجزة العِدا ومطاعنة الأشرار وإظهار العلوّ الباذخ عليهم.
7- وربما ارتداها لأنه كان يحتال على صيد سمين يطمئنّ لمرأى العباءات الوادعة التي تختال في الأفراح والمناسبات، وخبّا بين طياتها الساكنة سلاحه القاصف للأعمار، فنجحت حيلته حين ظنّ ذلك الوغد المقتول أن العباءة تتحدث عن حال صاحبها، وما درى أن العرب تقول إن العباءة لا تكلّم أحداً وإنما يكلمه مَن فيها.
8- هذه العباءة الجعبرية اليوم أصبحت ثوب الكرامة الموشّى بالفخر والجرأة والتحدي، وقد أصبحت اليوم عدّة قتال ودرع مقاتل ودفءَ يمين.
9- وحُق لعباءة الجعبري أن تكون على مثال عباءة المسيح عيسى عليه السلام يوم خرج على الحواريين -وعليه العَباء- وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة ما تنعّم المتنعمون إلا بفضل نعمتكم!
فيا زينتها، عباءة الجعبري!
- د. أسامة الأشقر يكتب: قبل أن تكفِّننا أخطاؤنا! - يناير 11, 2023
- د. أسامة الأشقر يكتب: قبل أن تكفِّننا أخطاؤنا ! - يناير 6, 2023
- د. أسامة الأشقر يكتب: أنا والمستديرة التي صدّتني! - ديسمبر 27, 2022