‏لا حاجة لمراجعة الأحكام الشرعية الخاصة بالتبني بقدر الحاجة لتطبيق أحكام الحضانة للأجنبي واليتيم واللقيط والمنبوذ والعمل بها كما فصل أحكامها الفقهاء في كتب الفقه..

‏وقد جعل الشارع هذه الولايات من فروض الكفايات، ومن أعظم القربات، وأعمال البر والإحسان، وشرع بدل التبني النسَبي الذي كان في الجاهلية بنوة الرضاعة والموالاة، كما قال تعالى في شأن زيد بن حارثة وكان النبي قد تبناه قبل البعثة  ﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما﴾ [الأحزاب: ٥]

‏ولهذا يشرع لولي اليتيم والحاضن للأجنبي الصغير إرضاعه من زوجته أو محارمه ليكون أبا له بالرضاعة، وتصبح زوجته أما بالرضاعة لليتيم والمحضون واللقيط، كما قال تعالى ﴿وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة﴾..

‏وكذا جعل الشارع المصاهرة سببا للمحرمية بين الحاضن والمحضون، واليتيم ووليه، فيعقد له ويزوجه ابنته، وإن كان اليتيم والمحضون صغيرا، فالعقد على البنات يحرم الأمهات، فتكون زوجة الحاضن والولي من محارمه، كما قال تعالى ﴿وأمهات نسائكم﴾ وهذا العقد على الزواج لا يحتاج لترتب أحكامه عليه إلى توثيق رسمي، فإذا أشهد الحاضن بأنه زوج ابنته وإن كانت صغيرة لهذا المحضون أو اليتيم فقد ثبتت المصاهرة شرعا، إلى أن يبلغا ويتأهلا للحياة الزوجية..

‏وكذا إذا كان المحضون بنتا أو يتيمة، عند أبي حنيفة، وعند مالك إذا خيف عليها، وإنما منع الجمهور الولي من تزويج اليتيمة حتى تبلغ وتُستأذن، مراعاة لمصلحتها، فإذا تحققت جاز القضاء به.. 

‏أو يزوجها ولده إن كان المحضون بنتا – ولو كانا صغيرين – فيصبح الحاضن محرما لها ﴿وحلائل أبنائكم﴾..

‏وقد جعل عمر رضي الله عنه بين الحاضن واللقيط توارثا، إذا لم يكن لهما وارث ..

‏وذهبت أم المؤمنين عائشة إلى أن حكم الرضاع يشمل حتى الكبير كما في قصة سالم مولى أبي حذيفة، وكان سالم يدخل على أهله ويتحرجون منه بعد نزول أحكام الحجاب، وتحريم الخلوة بالأجنبي، فأمر النبي زوجة أبي حذيفة أن ترضعه ليدخل عليها، كما في صحيح مسلم .

‏ وقد عملت به عائشة رضي الله عنها فكانت تأمر أخواتها وبناتهن بإرضاع من أحبت أن يدخل عليها، وتحتج بقصة سالم، وكان أمهات المؤمنين يخالفنها ويرين الحكم حادثة عين خاصة بسالم، لا عموم لها، ولا يقاس عليها، وهو قول الجمهور ..

‏ ومال ابن تيمية لقولها، لا على أنه كرضاع الصغير  يحرم به كل ما يحرم بالنسب، وإنما هو رضاع خاص لحاجة رفع الحرج في الدخول على غير المحارم لمن هو كمثل حال سالم مولى أبي حذيفة فقط..

‏والمقصود برضاع الكبير هو أخذ حليب من المرأة المرضع بإناء يشربه المحضون أو اليتيم الكبير فيؤثر حرمة خاصة .

‏فقال ابن تيمية موجها قول عائشة في مجموع الفتاوى ٣٤/ ٦٠ وأنها (رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة، أو تغذية؛ فمتى كان المقصود الثاني لم يحرم إلا ما كان قبل الفطام، وهذا هو إرضاع عامة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجة ما لا يجوز لغيرها، وهذا قول متوجه)..

‏وكذا جعل الشارع مولى القوم منهم ومن أنفسهم، كما قال (مولى القوم منهم) فينتسب إليهم وإلى اسمهم واسم قبيلتهم نسبة موالاة، لا نسبة بنوة، وجعل الشارع ذلك من أسباب الميراث..

‏وكذا مثله المولى الحليف، ومولى الإسلام، ينتسبون لمواليهم – كالبخاري الجعفي لأن أحد أجداده أسلم على يد بعض الجعفيين – عند كثير من الفقهاء، ويرتبون عليه أحكاما تجعل بينهما علاقة خاصة..

‏والقصد أن تفعيل هذه الأحكام الشرعية ضروري لحل مشكلة أطفال دور الرعاية الاجتماعية، وتشجيع الأسر على حضانتهم وكفالتهم، وهو باب عظيم من فروض الكفايات تخلى عنه المجتمع للدولة الحديثة التي لا تستطيع أن توفر لهم البيئة الأسرية التي يحتاجونها ليشعروا بالانتماء الخاص للأسرة، الذي قد يحرم منه كثير من الأطفال لظروف كثيرة، كما يجب على الدولة ومؤسساتها ألا تولي حضانتهم إلا للأسر الكريمة الأمينة على رعايتهم خلقا ودينا، وتتعاهدهم هذه المؤسسات بالمتابعة وتوفير احتياجاتهم التي لا تستطيع الأسر هذه توفيرها لهم.

د. حاكم المطيري

من د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت