تأملت في حياة الأستاذ الرقيق الأسيف أبي مازن ومماته، وحاولت فهم ذلك الأثر العميق الغائر الذي تركه في قلوبنا جميعاً بل وواقعنا -أنا وأبناء جيلي- ذلك الجيل الذي عايش محنة الإسلام ودعوته واكتوى بنارها وعاين قتل وأسر أصحابه وأحبابه، بل وليس منهم أحد إلا ونال حظه من البطش والتنكيل.

وخلصت من ذلك التأمل إلى عدة حقائق يجمع بينها أهمية «الجانب الوجداني»، فقد أطلق الرجل كلمات الرواد النابضة بالحياة، بسهام صوته الصادحة في فضاء الأمة، ليحكي عن شجن الاغتراب في الوطن، ووحشة الأسر، وقسوة السجان، ودم مراق، وعرض مهان، وأمة تضام، وشريعة مضيعة ومحنة موجعة.

وهنا استعدت قصة الثلاثة الذين خلفوا عن سيدنا رسول الله -وفيهم سيدنا كعب بن مالك رضي الله عنه- وهم جميعاً لم يكونوا منافقين؛ ولذلك عوتبوا وعوقبوا، وأما المنافقون فلم يعاتبوا فإنما عتاب النذل اجتنابه!

ولطالما سمعت شيخنا رفاعي سرور يركز على لفتة معينة فيها؛ فإن سيدنا كعباً كان يذهب للصلاة في مسجد رسول الله فيسلم عليه وأصحابه الكرام رضي الله عنهم فلا يجيبه منهم أحد، لكن كعباً -ويح كعب- كان يلمح رسول الله يختطف النظر إليه، فإن رآه أشاح عنه!

وكان الشيخ رحمه الله يعلق على هذه اللمحة بأن رسول الله «يحبه»، ويكررها «يحبه» أكثر من مرة، نعم هذه الومضة العاطفية الخاطفة التي تبث كثيراً من المعاني في قلب المدعو والطالب والتابع والجندي، هذه اللمحة التي نواجه بها العالم فإنما ندعوهم للإسلام لأننا نحب لهم الخير، ونريد إخراجهم من الظلمات إلى النور.

وهذا الجانب الوجداني هو الكنز المفقود في دعوتنا اليوم في ثوبها الجديد؛ بعدما لبست الغترة والعقال وما كان لها أن تعتقل، ولابد لها من استعادته لتسترد تأثيرها وعمقها وأصالتها وريادتها مرة أخرى.

من د. خالد سعيد

أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر