- د. محمد السعيدي يكتب: فك الارتباط بين الحقوق والديمقراطية والثورات - أبريل 27, 2023
- د. محمد السعيدي يكتب: العولمة، وماذا يجب علينا تجاهها؟ - يناير 3, 2023
- د. محمد السعيدي يكتب: ليست مجرد تهنئة النصارى بأعيادهم - ديسمبر 29, 2022
العولمة أمر خطير وشر مستطير يهدد السلام العالمي بأكثر مما عليه من تهديدات ومخاطر، ولا أبالي أن أقول إن كثيراً مما يحدث من حروب ومآسي في العالم تعتبر العولمة إحدى أسبابها،
وكذلك العولمة مهدد خطير للبناء السياسي في كل دولة من دول العالم لها استقلالية وخصوصية سياسية،
وكما أن الجماعات المتطرفة دينياً لا تؤمن بالدولة القُطْرِية، وتقوم بما تقوم به من إرهاب لهدم الدول القُطْرِية،
فإن الفكر العولمي لا يؤمن سوى بما يسمونه النظام العالمي الجديد الذي يسلب الدول حقوقها السيادية في فرض أنظمتها،
ولا يؤمن سوى بالديمقراطية المفصلة بالطريقة التي يريد والتي لا تصل إلَّا للنتائج التي تستهويه.
والفكر العولمي مهدد للبناء الاجتماعي والأُسري
على جميع شعوب العالم التي لازالت تعتبر الأسرة هي المكون الوحيد والذي لابديل عنه للمجتمعات من بوذيين وهندوس وسائر الوثنيين فضلاً عن النصارى واليهود،
فالأسرة التي استطاعت على مدى مئات القرون وربما آلاف القرون أن تبقى المشترك الإنساني الأقدم
وربما كانت وما ينتج عنها من أخلاق وقيم ومثل هي المشترك الإنساني الوحيد، الآن مهددة بالزوال،
أو لنقل مهددة بالإزالة من على وجه الأرض نتيجة للعولمة، ومع الأسرة تلك الانتماءات الفطرية
التي حافظ عليها الإنسان رغم اختلاف دياناته كالانتماء للأسرة الصغيرة ثم للعشيرة ثم للقبيلة،
وللقرية أو الحي ثم المدينة ثم الوطن، هذه تُقتل اليوم بفعل العولمة؛
وكذلك العلاقات الفطرية التي لم تتأثر عبر تاريخ البشرية رغم اختلاف أديان الناس وأصقاعهم كالزوجية والأمومة والأبوة والأخوة،
وعلاقة الفرد بعمه وعمته وخاله وخالته وذوي رحمه من جهة أبيه وأمه وأخوال أمه وأخوال أبيه، هذه الآن يجري العمل على سحقها وسحلها.
الخصائص البشرية الطبعية
الخصائِص البَشرية الطبعية لكلٍ من الجنسين، والخصائص العمْرية لكل فرد من أفراد البشر،
كالبراءة للأطفال ومزيد الحياء للنساء، والغيرة للرجال، والحيوية للشباب، والوقار لكبار السن،
كل هذه مما يذبح اليوم على عتبة العولمة.
الخصال التي تواطأت البشرية جمعاء بمختلف بلادها وأديانها على أنها الخصال الحميدة الممدوحة،
كالوفاء والعفاف والشهامة والكرم والحفاظ على العرض والقناعة،
يسعى اليوم لجعلها صفات خطيرة مجَرَّمة دولياً، كل ذلك من أجل العولمة.
لستُ مبالغاً ولا متشائماً ولا متديناً متنطعاً ولا قاصر العلم والثقافة ولا متحجراً،
كما يحب مروجو الفكر العولمي أن يقولوا عمن يعارض عولمتهم،
ولكنني أشاهد العالم كما يشاهده ملايين البشر من العقلاء في الشرق والغرب
وأَسْتَغِل حرية التعبير الموجودة في بلادنا في نقد هذا السلوك العولمي بينما لا يستطيع الكلام آلاف من المفكرين
الذين يبكون مر البكاء مما يشاهدونه أو يتوقعونه من جريمة قتل الإنسانية التي تقْدِم عليها
دون خشية من أحد كتائب العولمة المنطلقة من الولايات المتحدة وغرب أوروبا؛
نعم لا يستطيع أولئك أن يتكلموا رغم ما نزعمه بلادهم من حرية التعبير.
ومَن هذا المجنون الذي يستطيع أن يقول إن الشذوذ الجنسي عيب،
يقول عيب فقط، أما من يقول إنه جريمة أخلاقية فهو ليس مجنوناً بل منتحراً!
ومن المتهور الذي يمكنه القول:
يجب أن تعود قيادة الأُسرة إلى الأب؟!
ومن المضحي بنفسه وسمعته الذي يستطيع أن يقول ينبغي أن نحرم الزنا كما حرمته التوراة والإنجيل!؟
هذا ما صنعته العولمة في الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلاندا،
فَرق شديد من أي نقد لمُخرجات العولمة وتطبيع خطير لها،
وهذا ما تعمل على تحقيقه كتائب العولمة في آسيا وإفريقيا وحتى في الجزر النائية في أعالي المحيطات.
هذا الدمار الذي يقبل عليه العالم لا يقوده أكثر من اثنين أو ثلاثة في المائة من سكان الأرض،
ومؤهلاتُهم أنهم يملكون المال والإعلام والتقنية،
ويملكون أهم من ذلك وهو الاستراتيجية المستقرة والتي عملوا عليها من قديم للوصول لهذه الأهداف،
وأصبحوا المتحكم الأكبر بالانتخابات الرئاسية في أعتى الدول رغم خرافة نزاهة الانتخابات،
وهم المتحكم في المؤسسات الدولية العليا كالأمم المتحدة ودوائرها،
وهمْ المتحكم في الإعلام العالمي والأقمار الصناعية ومصانع السلاح والبنوك التي تقرِض الدول أو تهبها …
ورغم كل ذلك لا يجب الاستسلام لهم، ولا ينبغي أن نفرط ببشريتنا من أجلهم،
فإن كل تقدم يحصلون عليه يقَرِّب العالم من أن يكون حضيرة خنازير كبيرة،
وكل تنازل لهم قد نعتبره اليوم من الدهاء والحنكة وحني الرؤوس للعاصفة،
ليس سوى حني رؤوس لمنشار المقصلة التي قطعوا بها رؤوس المحافظين في أوروبا بعد الثورة القرنسية،
ويعدُّون اليوم مقاصل من نوع آخر لكل من في قلبه مثقال حبة من خردل من كره للعولمة .
والحل؟
الحل أولا يتمثل في تحالف إسلامي تقوده منظمة التعاون الإسلامي لترسيخ قِيَم الإسلام المتعلقة بالأسرة والأخلاق والمجتمع،
ويشَكِّل قوة تنطق بصوت واحد لدى المنظمات الدولية والهيئات الإعلامية في هذه القضايا،
وتتضامن لتخفيف الضغط الإعلامي والسياسي الذي تتعرض له الدول المنضوية في هذا الحلف من أجل تمسكها بتلك القِيَم والمُثل،
بل تعكس الأمر وتعمل على أن تشكل بمجموعها هيئة ضاغطة من أجل العودة بالبشرية جمعاء لمسارها الإنساني الصحيح،
كما يجب أن ينْتُج عن الحلف تطهير جميع وسائل الإعلام والآداب والفنون في الدول الإسلامية
من أن تكون منارات لإشاعة الشعارات والأفكار التي تروج لها العولمة.
تحالف دولي
ثانيا: تحالف دولي يتبناه مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الديانات والحضارات،
فإن هذه القضايا مشترك لا نختلف فيه مع سائر الأديان كاليهودية والنصرانية قبل أن تعبث العولمة بقساوستها ورهبانها الذين أصبحوا يتسابقون في إرضاء دهاقنة العولمة في استباحة الشذوذ والإجهاض والعلاقات المحرمة،
لكن لازال باقياً لديهم مؤسسات دينية محتفظة بالدعوة لهذه المشتركات يجب استثمارها،
وأيضا كالبوذية والكونفوشسية التي لا أعلم حقيقةً مدى انصياعها لدهاقنة العولمة.
وهذا التحالف مع التحالف الإسلامي بما يملكه من ثقل سياسي وإعلامي ومالي قادر في تقديري على إيجاد قوة تواجه المشروع العولمي .
وهو لا يعني بأي حال من الأحوال ذوبان الدين الإسلامي في أي دين وفي أي حضارة، ولا التنازل عن أي قيمة أو تشريع إلهي،
وإنما هو تحالف بين مشتركات إنسانية عظيمة أيدها الإسلام وهي قطعة عظيمة من تشريعه ويسعى مشروع العولمة إلى إسقاطها.
التربية مشروع وطني
ثالثاً وهو الأهم العناية بأن تكون التربية مشروعاً وطنياً كبيراً لا يقل أهمية عن المشروعات العظيمة التي تضطلع بها قيادتنا ومؤسساتنا،
تتظافر لإنجاحه كل مؤسسات الدولة من إعلام وتعليم وشؤون إسلامية وجهات خيرية وغيرها.
فالفكر العولمي خطر عظيم ولو نجح نجاحاً تاماً في اكتساح البشرية فسوف تنجرف معه مجتمعاتنا وكياناتنا المجتمعية والوطنية، والأدهى من ذلك أنه مبعث سخط الله عز وجل الذي قضت سننه الكونية بإهلاك من يخالف سننه الشرعية كما قال تعالى
﴿فَلَمّا نَسوا ما ذكِّروا بِهِ فَتَحنا عَلَيهِم أَبوابَ كلِّ شَيءٍ حَتّى إِذا فَرِحوا بِما أوتوا أَخَذناهُم بَغتَةً فَإِذا هم مبلِسونَ﴾
[الأنعام: ٤٤]