يبدو لي أن عملية المجند المصري الشاب( 22 عاما) ليست عملية انفعالية، ولا يبدو أنها «مطاردة لمهربي مخدرات» وأجد نفسي اقرب لتصديق الرواية الصهيونية بأنها عملية مدبرة بروية تامة، ويكفي التأمل في بعدين هما:
أولا: الزمن:
وقعت العملية في أيام ذكرى حرب حزيران 1967 التي احتلت فيها سيناء، وما تزال مصر فاقدة لبعض سيادتها في هذه المنطقة لان الجيش المصري ممنوع من الوصول إلى هذه المنطقة إلا بالتنسيق مع إسرائيل طبقا للمعاهدة المصرية الإسرائيلية، وهي المنطقة الأكثر قيودا للحركة الأمنية المصرية.. فهل موعد العملية مفصول عن السياق التاريخي ودلالاته.
ثانيا: المكان:
فمعبر نيتسانا -Nitsana- كما تسميه إسرائيل، وهو معبر العوجا، وهذا المعبر الذي نفذ المجند محمد صلاح عمليته فيها هو:
أ- أول معبر تجاري بين مصر وإسرائيل، وتم افتتاحه عام 1982ـ أي أول تجسيد للتطبيع مع مصر
ب- يمثل هذا المعبر شريانا هاما وواعدا للتجارة بين الطرفين، حيث يعبره حوالي ألف شاحنة شهريا بين الطرفين
جـ- هناك مشاورات مصرية إسرائيلية تجري منذ فترة لتحويل المعبر لمنطقة صناعية بين الطرفين، وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد كشفت في العام الماضي عن تخطيط مصري إسرائيلي لتحويل معبر نيتسانا إلى مركز إقليمي لوجستي ومركز تعاون مشترك.
د- من الضروري التذكير بان هذا المعبر ذاته شهد مواجهة عام 2013 عندما اختطفت إسرائيل جنودا مصريين عنده وأغلق زملاؤهم المعبر رفضا للتصرف الإسرائيلي.
ذلك يعني أن العملية الفدائية لمحمد صلاح ليست عملية انفعالية أو مطاردة لمهربي المخدرات، بل هي عملية سياسية رمزية، وتجسيدا لتوجهات عريضة في المجتمع المصري برفض العلاقة مع إسرائيل.
إن اختيار فترة العملية، وموقع العملية، يشكلان معا مضمونا سياسيا، بل إن كيفية تنفيذ العملية وداخل حدود الاحتلال يشير إلى قرار استشهادي جهادي، ففي جعبته 6 مخازن رصاص ونسخة من القرآن، ولديه معرفة بتفاصيل المواقع الإسرائيلية، فهو دخل وفي نيته إيقاع اكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو.. وقد فعل.. وأنجز مهمته العسكرية ضد إسرائيل وأنجز مهمته السياسية بتجسيد إرادة كامنة في صدور 88% من الشعب مصري..
- د. وليد عبد الحي يكتب: ثقافة المطلق - يونيو 30, 2023
- د. وليد عبد الحي يكتب: الاستدارة العربية شرقا أو الإصرار على حلب الثور - يونيو 28, 2023
- د. وليد عبد الحي يكتب: تحالف مارتن لوثر وشايلوك - يونيو 7, 2023