صَفَّ الابن سيارته في أحد شوارع مدينة نصر -الواسعة؛ الضَّيِّقة بسبب السَّيَّارات الواقفة- ثم نزل منها وظلّ يدور حولها ويفكِّر متردِّداً..

فناداه والده من شُرفة بيته في نفس العمارة التي صَفّ الابن سيارته تحتها: مالك يابني؟ فيه أيه؟

ردّ الابن: مفيش حاجة يا بابا، المكان مش عاجبني؛ وخايفها تتخبط!.

قال الوالد: استودعها واطلع يابني..

الله الله!.. صدق هذا الوالد المربّي وجزاه الله خيرا على تذكيري وتنبيهي أنا العبد الغافل، فقد ظللت بعدها مدة -من سحابة يومي ذاك- وأنا فرح بهذا الوالد الذي لم أر وجهه ولا أعرفه.. فقلت لعلها رسالة من الله لي؟

فإني كنت -فيما مضى- أقلق كثيرا عندما تذهب واحدة من بناتي إلى مدرستها أو جامعتها أو عملها.. إلى أن وفّقني الله لأن أكرر دائما: اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي وبيتي وعملي. فهدأت نفسي.

والعجيب أن هذا الدعاء مع كونه يحفظ الله به الشيءَ المستودَع؛ فإنه يهدِّئُ النفس ويطمئن القلب ويشرح الصدر ويريح البال.

فالشيء المستودَع -أي: الذي تستودِعه الله أياً كان ذلك الشيء- محفوظ بحفظ الله ولا شكّ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله إذا استُودِع شيئا حفظه) رواه ابن حِبّان في صحيحه وصحّحه الألباني.

وودائع الله لا تضيع أبدا أبدا؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) رواه ابن السني وحسّنه العراقي والألباني.

وإذا سافر الإنسان فعليه أن يستودع ما يخاف عليه، وأهم ما نخاف عليه ونحرص هو الدين والأمانة وخواتيم أعمالنا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا أردت سفرا تقول: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك). رواه أحمد في مسنده.

فاستودع ربك نفسك وأهلك ومالك ودينك وأمانتك وخواتيم عملك.. حفظك الله بحفظه ورعاك برعايته.