إن الواحد منا ليشعر برهبة عظيمة وهو يتحدث عن أندى العالمين.. بأبي هو أمي (صلى الله عليه وسلم).. فإنما نتحدث عن شخصيةٍ جمعت جميع جوانب العظمة التي عرفتها البشرية عبر العصور .
وما أروع تصوير الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله حين تحدث عن عظمة شخصية النبي محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) قائلا: “والعظمة إما أن تكون بالطباع والأخلاق والمزايا والصفات الشخصية.. وإما أن تكون بالأعمال الجليلة التي عملها العظيم.. وإما أن تكون بالآثار التي أبقاها في تاريخ أمته وفي تاريخ العالم.. ولكل عظيم جانب من هذه المقاييس
تُقاس بها عظمته أما عظمة محمد (صلى الله عليه وسلم) فتقاس بها جميعها ً لأنه جمع أسباب لعظمة فكان عظيم المزايا.. عظيم الأعمال.. عظيم الآثار.. والعظماء إما أن يكونوا عظماء في أقوامهم فقط نفعوها بقدر ما ضروا غيرها كعظمة الأبطال المحاربين والقواد الفاتحين.. وإما أن تكون عظمته عالمية ولكن في جانب محدود في كشف قانون من القوانين التي وضعها الله في هذه الطبيعة وأخفاها حتى نُعمل العقل في الوصول إليها.. أو معرفة دواء من أدوية المرض أو وضع نظيرة من نظريات الفلسفة.. أو صَوغ آية من آيات البيان.. قصة عبقرية.. أو ديوان شعر بليغ.. أما محمد فكانت عظمته عالمية في مداها وكانت شاملة في موضوعها”.
صلى عليك الله يا علم الهُدى واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لـك الأرواح من أشواقــها وازّيّنت بحديثـك الأقــلام
وعلى الرغم من تلك المنزلة في النفوس على مرِّ العصور العظيمة والمكانة العالية التي يتبوأها الحبيب المصطفى.. إلا أننا نعجب كل العجب ونحن نرى ونسمع ما تتعرض له شخصيته الشريفة وسيرته العطرة المباركة مؤخرًا من حملات السخرية والاستهزاء المقيتة التي يقوم بها بعض أعداء الإسلام في أماكن مختلفةٍ من العالم.. وبخاصةٍ في بعض بلاد الغرب التي كثُرت وتعددت ألوان الإساءات التي تتبناها بعض المؤسسات في تلك المجتمعات والتي تتحدى من خلالها مشاعر المسلمين في كل مكان ولا تتوانى عن إلحاق مختلف أنواع الأذى المتعمد لشخصية النبي الكريم وسيرته ودعوته وتربيته العظيمة التي لم تعرف البشرية أجمل ولا أكمل ولا أنبل ولا أفضل منها على مر التاريخ.
وعلى الرغم من ردود الفعل الغاضبة لأبناء أُمة الإسلام في كل بُلدان العالم من أجل نصرة النبي محمدٍ ورفضهم لما يحصل من الإساءة المعلنة لشخصيته الشريفة بأي شكلٍ من الأشكال.
إلا أن ما نحرص على إيضاحه عبر هذا المنبر الدعوي والتأكيد عليه في خطابنا الإعلامي لا يمكن أن يكون محصورًا في تلك المُظاهرات والمسيرات والاحتجاجات ونحوها مما ثبت وتأكد لكل ذي لُبٍ أنها وإن كانت مقبولةً ومطلوبة.. فإنها في حقيقتها لا تتجاوز ما يُعرف بردة الفعل الوقتية التي سُرعان ما تزول دون أن تترُك أثرًا يُذكر ودون أن تُحقق نتائج مُرضية في عالم الواقع.
وهنا لا بُد أن نُدرك – تمام الإدراك – أن ما حصل من محنةٍ أزعجت وآلمت أبناء الإسلام في كل مكان يمكن أن يكون منحةً عظيمة وفرصةٌ سانحةً لخدمة الدين عندما نُحسن اغتنامها واستثمارها في بيان حقيقة ديننا الإسلامي الحنيف.. وعندما نحرص من خلالها على توظيف كل ما حصل توظيفًا صحيحًا لبيان كمال الدين الإسلامي وسمو تربيته وعدالة تعاليمه وروعة تسامحه وصلاحيته المطلقة لكل زمانٍ ومكان.
فيا أيها الإخوة الكرام في كل مكان.. ويا من تُحبون أن يكون لكم نصيبٌ من نُصرة النبي محمدٍ (صلى الله عليه وسلم):
اعلموا “بارك الله فيكم” أن أعداء الدين ما تجرأوا على النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم إلا عندما علموا بضعف أتباعه – ونحن منهم – وتقصيرهم.. وعدم تمسكهم بتعاليم دينهم الخالد الذي كفل لهم الله تعالى متى ما تمسّكوا به وحافظوا عليه تحقيق العزة لهم في الدين والدنيا والآخرة .
إن علينا أن نعلم بأن نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) الصحيحة الواعية لا يمكن أن تكون إلا بالإتباع الصادق لسنته.. وامتثال أوامره .. واجتناب نواهيه فإن كنا صادقين في محبته ونصرته فعلينا أن نبدأ بأنفسنا وأن نحرص على التزام سنته الشريفة في كل شأنٍ من شؤون الحياة.. وفي كل جزئيةٍ من جزئياتها قولا ً وعملا ً ونية ولسان حال كلٍ منا يُردد مع الشاعر قوله:
لألزمن لـــــزوم الظل سُنته عقدتُ عهدي على هذا وميثاقي
ولنعلم أن حبيبنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) لا يُرضيه أبدًا أن نُخالف هديه وسنته .. وهذا يعني أن علينا أن نُقاطع كل معصيةٍ في حياتنا مهما صغُر شأنُها.. وأن نتوب إلى الله تعالى منها .. وأن تكون صفاته وسلوكياته وسماته هي القدوة الحسنة التي نقتدي بها ونلتزمُها .. وأن نحرص على التعريف بنبينا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) تعريفا ً صحيحا ً في كل منابرنا الإعلامية والتعليمية والدعوية إظهارا ً لقدوته بين شبابنا الذين اتخذوا من الفنانين واللاعبين أسوة وأئمة.. ثم العمل على نشر سنته وهديه وترجمتها.
فهيا لنحقق موعود رسول الله فينا.. ولنكن عند حسن ظنه قولا ً وعملا ً.. ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : “مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي.. يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ .”
وفي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “وددت أني لقيت إخواني”.. قال: فقال أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): “أو ليس نحن إخوانك؟.. قال: أنتم أصحابي, ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يرون”.. فهل نفدي رسول الله بعيوننا وأرواحنا وقلوبنا؟.
- د. أحمد زكريا يكتب: هنا تسكب العبرات!! - يونيو 22, 2023
- د. أحمد زكريا يكتب: وقفات مع حرارة الصيف! - يونيو 20, 2023
- د. أحمد زكريا يكتب: وضوح الهدف علامة على صحة الطريق - مايو 22, 2023