فقراء المغرب

ترك محمد عكي موطنه في جبال الأطلس المتوسط بالمغرب بحثا عن عمل ثابت وحياة أفضل في مدينة أزرو لكنه لا يزال يعيش مهمشا في بلد يشهد طفرة استثمارية.

وصبيحة كل يوم يمشي عكي أميالا حتى يصل إلى أزرو بحثا عن فرصة عمل قد لا تأتي، فهو يعمل أجيرا باليومية. ولا يوجد في منزل عكي المتداعي بأحد الأزقة الموحلة كهرباء أو مياه، وتستذكر ابنته دروسها على ضوء شمعة.

ويمثل عكي جزءا من طبقة تشمل عددا كبيرا من فقراء المغرب الذين تجاوزهم قطار التنمية السريع الذي أحدث تحولا في معظم الساحل الشمالي الغربي للبلاد عبر مشروعات بنية تحتية بلغت تكلفتها مليارات الدولارات.

وقال عكي، بينما كان يقف داخل مطبخ منزله المظلم ومعه مصباح زيتي يكشف بعض المقالي المعلقة في مسامير على الحائط، ”إنه أمر لا يمكن تصوره. كيف يمكن لنا أن نعيش في مدينة ولا نزال بحاجة إلى الشموع؟ نسمع شعارات لكن لا توجد شفافية. لم نحصل على أي دعم قط“.

ويثير تفشي عدم المساواة في المغرب بعض التوتر داخل الطبقة السياسية في البلاد، وخصوصا بعد احتجاجات في منطقة جبال الريف شمالا عامي 2017 و2018 وخروج مظاهرات حاشدة في الجزائر المجاورة هذا العام.

ومن بين مؤشرات الإحباط العام ترديد جماهير كرة القدم في الدار البيضاء لهتافات سياسية وأغنية راب ذاع صيتها انتقدت بشدة عدم المساواة والمسؤولين في المغرب.

وقال أحمد لحليمي رئيس المندوبية السامية للتخطيط ”يثير التباين الاجتماعي، أكثر من الفقر، إحباطا قد يؤدي لاحتجاجات. هذه الفروق الاجتماعية يُنظر إليها غالبا على أنها نتيجة لتراكم الثروات بصورة غير قانونية“.

وأعلنت الحكومة هذا الشهر تخصيص 7.4 مليار درهم (770 مليون دولار) هذا العام لمكافحة التباين الاجتماعي والتفاوت بين المناطق ضمن برنامج أطول أمدا.

ويعكف الملك محمد السادس، الذي يحدد اتجاه السياسات في المغرب بينما تنفذها حكومة منتخبة، حاليا على تشكيل لجنة للإشراف على مرحلة جديدة من التنمية بهدف معالجة مثل هذه الفوارق.

وركز الملك محمد السادس على مدى عقدين من حكمه في الأساس على تطوير البنية التحتية التي يحتاجها قطاع الأعمال، وتضمن ذلك إقامة خط قطار سريع يربط بين الدار البيضاء وطنجة التي صارت اليوم أكثر موانئ أفريقيا ازدحاما بالمسافرين.

وبلغ متوسط النمو الاقتصادي 4.5 بالمئة في الفترة بين عامي 2000 و2012 لكنه يبلغ ثلاثة بالمئة فقط منذ ذلك الحين وهو معدل منخفض نسبيا بالنسبة لسوق ناشئة. وذكر تقرير أصدره البنك الدولي في الآونة الأخيرة أن ربع المغاربة إما فقراء أو يواجهون خطر الفقر. وتحل المملكة في المركز 123 على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية.

غير أن الاستثمارات ساعدت على تعزيز وضع طبقة من رجال الأعمال الذين يشترون الأثاث من فرع إيكيا في الدار البيضاء ويتوقفون لأكل الشطائر في أقرب فرع لسلسلة بول الفرنسية على الطريق السريع المؤدي للرباط.

“أنا مضطهد”

في أزرو الواقعة على جبال الأطلس المتوسط شرقي الرباط، يمضي عكي وعائلته ساعات الليل في الظلام ويمتطي مثل جيرانه حمارا لجلب مياه الشرب من أحد الآبار الواقعة على بعد أميال من منزله.

وتعادل تكلفة بناء منزل في الأرض التي اشتراها عكي قبل عشرة أعوام سعرا مخفضا لأريكة في فرع إيكيا بالدار البيضاء.

والمنطقة التي يعيشون فيها، واسمها آيت حمو وحماد، يقطنها بالكامل أناس تركوا الجبال للإقامة قرب أزرو حيث بنوا منازل لم تكلفهم كثيرا ودون تصاريح رسمية وبالتالي لا يمكنهم الحصول على خدمات المرافق الحكومية.

وتكتظ الأحياء الفقيرة بالمدن المغربية بهؤلاء الفارين من فقر وضبابية القطاع الزراعي الذي يعتمد كليا على هطول الأمطار بغزارة متفاوتة.

ووفرت ملاعب كرة القدم متنفسا لفقراء الحضر يبثون من خلالها طاقات غضبهم. وردد مشجعو فريق نادي الرجاء الرياضي البيضاوي في إحدى المباريات العام الماضي ”في بلدي أنا مضطهد“.

والموسيقى متنفس آخر. وحصدت أغنية راب بعنوان ”عاش الشعب“، تحريفا لعبارة ”عاش الملك“، 15 مليون مشاهدة على يوتيوب. وكان من كلماتها ”لا تسألني عن الثروة فأنت تعرف من أخذها“.

وجرى اعتقال أحد المشاركين في هذه الأغنية في وقت لاحق وقضت محكمة بحبسه لمدة عام بعد إدانته بسب الشرطة على مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من أن محاميه قال إنه يعتقد أن الأغنية ربما تسببت باعتقاله.

ظروف أصعب

يعمل بالزراعة نحو 40 في المئة من عمال المغرب، لكن رئيس المندوبية السامية للتخطيط يقول إن عاما واحدا بدون أمطار يمكن أن يتسبب في انخفاض النمو الاقتصادي الإجمالي بما يزيد على نقطة مئوية ويتسبب في بطالة عدد كبير من الأشخاص.

وتشير الأوضاع التقشفية التي يعيشها عكي وجيرانه إلى ظروف أصعب يتحملها أولئك الذين لم يُلتفت إليهم في المناطق الجبلية النائية حيث يعمل كثيرون رعاة للأغنام وفي كثير من الأحيان لقطعان يملكها آخرون.

وفي غابات الأرز المرتفعة من الأطلس المتوسط حيث تكثر قرود المكاك أعالي الأشجار، لا يزال بعض البدو السابقون يعيشون في خيام أسقفها من أغطية بلاستيكية على هضبة جرداء حيث تقع أقرب مدرسة أو مستشفى على مسافة بعيدة منها.

وتعيش فاضمة صفصاف مع ابنتيها وابن ثالث في خيمة بأحد المروج الواسعة التي تحيطها غابات الأرز، بينما يرعى زوجها الغنم في المراعي المرتفعة.

ومعظم الغنم والخيمة التي يقيمون بداخلها من ممتلكات رجل يعيش في فرنسا. وقالت فاضمة إنهم لا يحصلون سنويا سوى على ربع الحملان المولودين في القطيع.

وأضافت ”لا ماء ولا كهرباء لدينا ونعاني من انهمار الثلوج والبرد القارس وليس لدينا ما يكفي من ملابس أو أحذية“.

وتابعت قائلة ”نحصل في العادة فقط على مياه موحلة. أريد أن أذهب للعيش في المدينة لكن زوجي لا وظيفة له. ما الذي يمكننا فعله؟ لا يمتلك زوجي أية مهارات“.