أصدر المركز العربي بواشنطن دي سي اليوم، الأربعاء، بحثا عن «سياسات الطاقة النظيفة» في شمال أفريقيا.

وجاء في التقرير الذي أعده الباحث والصحفي التونسي أشرف شيباني أن قضايا البيئة والمناخ ستستمر في 2023، على رأس الأجندة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالمؤتمر الذي سيعقد في دبي في 2023 والنمو المتسارع في قطاع الطاقة المتجددة في مصر وشمال أفريقيا مؤشران على تنامي نفوذ دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السياسيات المناخية الدولية، وهذا يرجع إلى الخطط الطموحة لهذه البلدان في قطاع الطاقة المتجددة، فالمغرب تطمح إلى إنتاج 52% من مجمل طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، ومصر تصبو نحو إنتاج 42% من مجمل طاقتها الكهربائية بحلول 2035.

وأشار البحث إلى الكيفية التي سيعيد بها مجال الطاقة المتجددة تشكيل السياسية في المنطقة، ومدى استدامة استخدام سياسات الطاقة التقليدية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مشيرًا إلى أنه في كثير من الأحيان، تظل سياسات الطاقة معزولة عن مجالات السياسة الأخرى. وعليه، فمن الضروري وضع سياسات الطاقة ضمن المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الأوسع الذي تعكسه وتشكله في الوقت نفسه. كما كان الحال سابقًا مع النفط والغاز، تُستخدم تقنيات الطاقة الخضراء لتعزيز العلاقات الجيوسياسية المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

توليد الطاقة في المغرب 

في العام 2009، أطلقت المغرب الإستراتيجية القومية للطاقة التي تهدف إلى التحول نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة المحلية، فالمغرب تاريخيًا بلد “فقير في الطاقة، وتحولها نحو الطاقة المتجددة في استيفاء أمنها واعتمادتها من الطاقة، يعني الاستقلالية في هذا القطاع، بوضع هدف إنتاج أكثر من نصف احتياجاتها من الطاقة من مصادر طاقة متجددة بحلول 2030. 

وتطرق البحث إلى مشروع إنتاج الطاقة الشمسية «نور ورزازات» المقام في جنوب شرق المغرب عند سفح جبال الأطلس الكبير،

والذي يتكون من أربع محطات شمسية تغطي مساحة قدرها 3000 هكتار وتبلغ طاقتها 580 ميجاوات، لإنتاج حوالي 6% من إجمالي الطاقة في المغرب.

كما تضم أكبر محطة طاقة مركزة في العالم. هذا المشروع نتاج شراكة بين القطاعين العام والخاص، فهو ممول جزئيا من قبل مرفق الاستثمار المجاور للاتحاد الأوروبي (NIF)،

الذي قدم 106.5 مليون يورو، بالإضافة إلى بنك الاستثمار الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، وبنك التنمية الألماني، وغيرها. 

تم بناء المشروع وتشغيله من قبل كونسورتيوم يتكون من أكوا باور (مقرها المملكة العربية السعودية)، والوكالة المغربية للطاقة الشمسية (ماسن)، وأريس، وثلاث شركات إسبانية: TSK، وAccion، وSener.

وفي الوقت نفسه، وتعهدت شركة Shandong Electric Power Construction الصينية ببناء محطتي نور 2 ونور 3.

وعلى الرغم من أن المشروع يعد إنجازًا فريدًا من نوعه من حيث مشاركة كوكبة من شركات الهندسة الدولية به،

ومن حيث البناء والخبرات الاقتصادية والوسائل التي ضخت فيه، فبنيته التحتيه الضخمة تقف على النقيض من الواقع السياسي والاجتماعي،

فكما تقول عالمة الأنثروبلوجيا سارة ريسر، فإن مثل هذه المشروعات تفسر على نحو استعماري، لا يرى في المناطق الصحراوية إلا مناطق «قاحلة» غير منتجة، بحاجة إلى تدخل اقتصادي خارجي. 

ويقع هذا المشروع في واحدة من أكثر المناطق الصحراوية فقرا في الماء، والتي كانت سابقًا وقفًا بين أمازيغ المغرب. وبينما ضخ في هذا المشروع 6.8 ملايين دولار، خصصت لتنمية المشاريع المحلية، لم يحصل السكان الأصليين في المنطقة الذين يمتهنون مهنة الزراعة أي تعويض، وهناك مخاوف تثار بين الحين والآخر أن الحاجة المرتفعة للماء في هذا المشروع، ستؤدي إلى زيادة ضغوطات الماء. 

وتطرق التقرير إلى النزاع بين المغرب وجبهة «البوليساريو» على إقليم الصحراء الغربية الذي تخطط به المغرب لإقامة مشاريع طاقة متولدة من الرياح، إذ نظر المغرب في إمكانية تطوير طاقة الرياح في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، والذي يشهد صراعًا طويل الأمد بين القوات المغربية وحركة التحرير الوطني للإقليم، جبهة «البوليساريو».

حاليا، هناك ثلاث مزارع رياح عاملة في الصحراء الغربية، تم إنشاؤها من قبل إتحاد من الشركات يجمع كل من سيمنز ويند إنرجي، وإينيل جرين إنرجي، وناريفا، وهي شركة مغربية. 

وهناك مزرعة رياح إضافية بقدرة 300 ميجاوات قيد الإنشاء في بوجدور، ومن المتوقع تشغيلها بالكامل بحلول نهاية مارس.

فيما رأت عالمة الاجتماع والرئيسة السابقة لمصادر مراقبة موارد الصحراء الغربية جوانا ألان أن استغلال المغرب لموارد الطاقة المتجددة في الصحراء الغربية قد عمل على «ترسيخ الاحتلال»، وربط الإقليم بالمملكة عبر البنية التحتية للطاقة المتجددة.

بدورها، اتهمت جبهة البوليساريو المغرب بـ«التحايل بقضايا المناخ الصديق للبيئة» وأصدرت خطتها الخاصة بالمناخ. 

ودفعت الحرب الروسية على أوكرانيا، وما تبعها من أزمة عالمية، الدول الأوروبية إلى البحث عن طرق بديلة للطاقة، للاستعاضة بها عن الغاز الروسي، وينظر إلى المغرب على أنه حل جيد متاح، ليفي بمتطلبات الطاقة في أوروبا،

وعليه، فقد ضاعف الاتحاد الأوروبي من جهوده للاستثمار في الطاقة الخضراء في شمال أفريقيا، ووقع في 2022 شراكة طاقة خضراء مع المغرب تهدف إلى «تطوير البعد الخارجي لسياسة الطاقة الخضراء الأوروبية باتخاذ خطوات جادة على أرض الواقع».

وتمهد العلاقات القائمة بالفعل بين إسبانيا والمغرب التي تمدها بالكهرباء منذ 2019، لتوسع في مد الطاقة بين المغرب وأوروبا،

فشركة Xlinks الناشئة ذات الأهداف الطموحة في شأن المناخ الصديق للبيئة تخطط لمد خط إنتاج للطاقة الكهربائية بين المغرب وبريطانيا بتكلفة 22 مليار دولار،

وحتى اليوم، غير واضح إذا ما كان المشروع سيولد الطاقة من مزارع الطاقة الشمسية والرياح في الصحراء الغربية أم من جهة أخرى. 

تتكرر مثل هذه المشاريع والشراكات في شمال أفريقيا، ففي تونس والجزائر، تتشابه الخطط الرامية إلى ربط محطات الطاقة الشمسية بأوروبا،

فكما أسلفنا القول، فهناك رأي يتمحور حول أن العالم يشهد الآن نوعا جديدا من الاستعمار البيئي الذي يمد أوروبا بالطاقة على حساب سكان شمال أفريقيا الأصليين. وبينما هذا تحول إلى حقيقة واقعة،

فمن الضروري التركيز على مختلف الأشكال التي يتخذها هذا الاستعمار، بما فيها استغلال أوروبا لجيرانها في شمال أفريقيا. 

مصر والجغرافيا السياسية في شرق البحر الأبيض المتوسط

في شرق البحر الأبيض المتوسط، تتطلع مصر إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز الطبيعي المسال (LNG)، والهيدروجين الأخضر، والأمونيا،

ولديها القدرة على أن تصبح مركزًا عالميًا مهمًا للطاقة. كما هو الحال في المغرب، ترتبط البنية التحتية للطاقة في مصر ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات السياسية الإقليمية التي تعزز التسلسل الهرمي الجيوسياسي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

أدى اكتشاف حقل تمار في مياه دولة الاحتلال في عام 2009، ثم حقل ليفياثان في عام 2010، وحقل أفروديت في مياه قبرص في عام 2011،

وحقل ظهر في مياه مصر في عام 2015، إلى تحويل شرق البحر الأبيض المتوسط إلى فاعل عالميا في قطاع الغاز، ومصدر للغاز الطبيعي المسال.

تم بيع الغاز الطبيعي المسال، وهو صديق للبيئة أكثر من الفحم والنفط، على أنه «وقود انتقالي» يمكن أن يعمل جسرا بين الوقود عالي التلوث والتقنيات الخضراء.

علاوة على ذلك، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تم الترويج لهذه المنطقة بديلا قابل للتطبيق للغاز الروسي.

أدى القرب الجغرافي لحقول الغاز بشرق البحر المتوسط إلى تعاون اقتصادي بين مصر ودولة الاحتلال وقبرص. سعت الدول إلى الاستفادة من وفرة الإنتاج،

وسعة البنية التحتية للغاز مثل منشآت الغاز الطبيعي المسال في مصر في دمياط وإدكو والبنية التحتية الحالية لخطوط الأنابيب. أدت الوفرة هذه أيضًا إلى تأثيرات سياسية،

ما عجل بعلاقات ثنائية ومتعددة الأطراف جديدة عبر شرق البحر الأبيض المتوسط ورسخ الصراع. تم تأسيس التعاون الاقتصادي من خلال منتدى غاز شرق المتوسط في عام 2019.

تعكس هذه المنظمة الحكومية الدولية الإقليمية، التي تضم قبرص ومصر ودولة الاحتلال واليونان وإيطاليا والأردن، إعادة ترتيب نفوذ الدول في المنطقة، ويلفت النظر الدول غير المنضمة، وهي تركيا وسوريا ولبنان.

كما أعادت اكتشافات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ترتيب اتجاه تدفق الغاز، والنفوذ السياسي، في خط أنابيب الغاز العربي. بدأ في عام 2003 تصدير الغاز من مصر إلى الأردن وسوريا ولبنان،

وأضيف فرع لدولة الاحتلال في عام 2008. في عام 2016، تم توقيع صفقة لنقل الغاز من دولة الاحتلال إلى الأردن،

وفي عام 2022 تم توقيع اتفاقية في القاهرة للسماح بنقل ملياري متر مكعب من الغاز سنويًا من دولة الاحتلال إلى مصر قبل تحويله إلى غاز مسال وإرساله إلى أوروبا.

واعترف الاتحاد الأوروبي بهذه العلاقة الثلاثية رسميًا عندما وقع مذكرة تفاهم مع مصر ودولة الاحتلال لوضع إطار لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر مصر.

كما لاحظ بعض المحللين، يؤدي التعاون الاقتصادي في شأن صادرات الغاز بين دولة الاحتلال ومصر إلى تحالفات سياسية أوثق وتطبيع علاقات الدول العربية مع دولة الاحتلال.

على المدى البعيد، تهدف مصر إلى تحويل المنطقة الاقتصادية في قناة السويس إلى مجمع عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا،

وخلال مؤتمر المناخ 27 الذي استضافته مصر، استفادت الأخيرة من دورها كمضيف في توقيع ثماني اتفاقيات في مجال الهيدروجين الأخضر والأمونيا، بما في ذلك اتفاقيات مع شركة هندية وشركة تقع في دبي.

وبينما تمتلىء التقارير الحديثة بشرح عن تأثيرات الهيدروجين على الجغرافيا السياسية، فهناك مبالغة في توقع التأثيرات الإيجابية للهيدروجين،

فغالبًا، ما تلجأ الدول، مثل مصر، لإنتاج الهيدروجين آملة في تأمين موقعها كقوى منتجة للطاقة، في حين أن الانتقال نحو الطاقة النظيفة يأتي على أرضية قوامها عدم المساواة في قطاع الطاقة العالمي،

وقوى الطاقة العالمية من شأنها أن تدخل طرق تكنولوجية حديثة لإنتاج الطاقة النظيفة للحفاظ على موقعها ومصالحها الجيوسياسية. 

 الحرب وإعادة الإعمار بعد الصراع والطاقة الخضراء

ترتبط سياسات الحرب والطاقة ببعضها البعض ارتباطًا وثيقًا. تاريخيًا، كان الصراع ناتجًا عن الطاقة والاستدامة.

ولكن هل يمكن أن تتدخل سياسات الطاقة أيضًا في الانتقال من الحرب إلى حالة ما بعد الصراع؟ فقد مرت ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية معروفة في أفريقيا، بأكثر من عشر سنوات من الحرب الأهلية منذ الإطاحة بمعمر القذافي وقتله خلال ثورة 2011.

خلال هذه الفترة، أصبحت السيطرة على البنية التحتية للنفط والغاز في البلاد مكمن معركة رئيسية،

حيث تسعى الفصائل المختلفة إلى السيطرة على طرق التهريب ومنشآت إنتاج النفط والغاز والبنية التحتية للتصدير.

تقع ليبيا الآن في قلب «لعبة كبيرة» في البحر المتوسط، حيث تتنافس الأطراف على السيطرة على طرق التجارة والبنية التحتية الهيدروكربونية التي تربط أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. أبدت أربعة من أهم دول البحر الأبيض المتوسط،

وهي مصر وتركيا وفرنسا وإيطاليا، اهتمامًا بتأمين طرق عبور التجارة والطاقة التي تمر عبر ليبيا وبجانبها، وهي الطرق التي أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على الصراع.

في أكتوبر 2022، وقعت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية اتفاقية مع BP وENI لبدء استخراج الغاز الطبيعي من حقل غاز بحري، يعتقد أنه أكبر من حقل ظهر المصري.

وفيما يبدو أن هذا الأمر يرجع إلى أمور اقتصادية (وسياسية) كما هو المعتاد في ليبيا، فقد تمتعت شركتا BP وENI، من بين شركات النفط الأجنبية القليلة، بتراخيص التنقيب والإنتاج خلال عهد القذافي،

مما يشير إلى أن اقتصاد ليبيا فيما بعد الصراع سيكون مدفوعًا بمزيد من الاستغلال للموارد الطبيعية.

ومع ذلك، رأى بعض المحللين مؤخرًا أن التحول نحو الطاقة الخضراء قد يسمح بإعادة بناء الاقتصاد الليبي على أسس مستدامة. فمثلها مثل البلدان الأخرى في شمال إفريقيا، تمت الإشارة إلى ليبيا على أنها مصدر محتمل للطاقة النظيفة المصدرة إلى أوروبا.

قد ينتج عن هذا ما يشبه دائرة المنافع، فتوليد هذا القطاع لوظائف وإحداثه نموا سيدفع نحو المزيد من الاستقرار في المنطقة.

ويرى الباحث أن مثل هذا الانتقال إلى الطاقة الخضراء بعد الصراع، مهمة شاقة،

فالدمار الذي خلفته الحرب وانهيار الجهاز البيروقراطي ومؤسسات الدولة الليبية سيحول دون التحول إلى الطاقة النظيفة دون نهج جذري وفرعي يقوم على أساس إعادة البناء السياسي للبلاد وتطوير مؤسساتها الرسمية محليًا ودوليًا،

لوضع أطر قانونية جديدة، وجذب الاستثمارات، وبناء القدرة المعرفية المطلوبة لإنشاء قطاع الطاقة المتجددة.

ومع ذلك، فهو يستعرض احتمالية التفكير في العلاقة بين الطاقة والسياسية خارج الأطر التقليدية والحقيقية. 

تعقيدات الجغرافيا السياسية

واختتم البحث برؤية مستقبلية، مفادها أن ربط الجغرافيا السياسية بالتحول نحو الطاقة النظيفة لأمر حتمي وطبيعي، يعكس توزيع الرياح والشمس وغيرها من مصادر الطاقة، وسيكون في المستقبل عامل ربط بين منتجي الطاقة في الصحراء الغربية،

مثلا، وبين مستهلكي الطاقة في أوروبا. هذه الرؤية، مع ذلك، تنطوي على سياسات البنية التحتية للطاقة المتجددة، فكل من مزارع إنتاج الطاقة من الرياح، والطاقة الشمسية، والتوصيلات لنقل الطاقة الكهربائية، وخطوط الغاز، طرق مهمة تتداخل في طبيعة المنطقة الجيوسياسية، وترسخ الجغرافيا السياسية الهرمية في المنطقة، وتعيدها، وربما في بعض الأحيان، تعيد تشكيلها. 

مصدر البحث: المركز العربي واشنطن دي سي