لا رأى الـفـاجـعُ حـــالَ الـمـكتوينْ … والـطريدَ الـحُرَّ مَن يحمي العرينْ
أو دَرَى فــعـلَ الـلـيالي إذْ مَـحَـتْ … فــي مـغـانيهم بـسـاطَ الـسَّامرينْ
لـيس فـي أرضٍ كـما فـي أرضِـهم … مـــن كــآبـاتِ وجـــوهِ الـمـؤمنينْ
ســلــبَ الـظـلـمُ مــسـاءاتِ الـهـنـا … إنَّ راعـي الـظلمِ فـي الدنيا ظنينْ
والـطـريدُ الـفـذُّ مـن ركـبِ الـهدى … بــاتَ فــي أُفْـقِ الـسُّها لايـستكينْ
يــتــثـنَّـى وفـــــمُ الــمــجـدِ لـــــه … يـتباهى الـيومَ بـالحرفِ الـرَّصينْ
تــنـطـوي الــلـجـةُ فـــي إقــدامِـه … لايــبــالــي بــالــرزايـا والــمــنـونْ
وكـنـورِ الـصبحِ فـي وجـهِ الـهدى … مـانأى الـملهوفُ عـن أغلى سفينْ
يــمـنـحُ الــعـانـي إبــــاءً صــارخًـا … صـرخـةُ الـحقِّ سـتُفني الـظالمينْ
والــبـطـولاتُ حــديــثٌ مُـجْـتَـنَى … مـن رفـيفِ الـنقعِ شـذوِ الظافرين
مــا أخـافـتْهم أيــادي بـطشَ مَـن … روَّعــوا الأطـفالَ بـالحقدِ الـدفينْ
هـــكــذا يــحـيـا أخــــو دعــوتِـنـا … يـرخصُ الـعمرَ … يضحِّي بالوتينْ
يــزرعُ الــدربَ شـجـيراتِ الـمـنى … فــي سـبـيلِ اللهِ ذا الـظلُّ الـثمينْ
حـيـثُ ألـفـى لـهـفةَ الـنَّـفسِ إلــى … جــنَّـةِ الـخـلدِ فـفـاضتْ بـالـحنينْ
وبـــديـــنٍ لـــــم تـــــزلْ رفــعــتُـه … تــمـلأُ الـصَّـدرَ بـطـيبِ الـمـنجبينْ
فـالـطـريـدُ الــيــومَ رمـــزٌ لـلـنَّـدى … لـلـوفاءِ الـعـذْبِ رغــمَ الـمجرمينْ
لايــبــالــي بـالـحـكـايـات الـــتــي … جـعلتْ سِـفرَ الأمـاني فـي ظـنونْ
يــخـدعُ الأمَّـــةَ طـاغـوت الـهـوى … يـمزجَ الماءَ بمسحوقِ الوزينْ (1)
يــا أخـا الأبـرارِ فـي سـاحِ الـوغى … تـرتـدي الـثَّوبَ الـموشَّى بـاليقينْ
لأُولـــــي الــهــمَّـةِ أبــنــاءِ الأُلــــى … قــد تـعـافوا مـن جـراحٍ وشـجونْ
ورمـــــوا بـــهــرجَ الــدنـيـا لِــمَــنْ … غَـــرَّهُ الـمـالُ وطـيـشُ الـمـترفينْ
وهــــو الــعـيـشُ كــمـا شـاهـدْتَـه … فــيـه لـلـواعـي فـصـولُ الآثـمـينْ
كــأسُـه الـعـذبـةُ تـشـكو مــن أذى … يـــدِ ذاكَ الـنَّـذلِ صـنـوِ الـمـفترينْ
وفـتى الإسـلامِ فـي مـغنى الرضا … أُبــعِـدَتْ عــنـه وغــابـتْ لاتـبـيـنْ
ومــرامــي الــخـيـرِ لـــو أنـطـقـها … ربُّـنـا الأعـلـى عــن الـسِّـرِّ الـدفينْ
لااســتـقـلَّـتْ بــمـعـانـي فـضـلِـهـا … وهــهــفَـتْ أوصــافُـهـا لـلـمـتـقينْ
نــعــمـتِ الــدنــيـا الــتــي آلــمَـهـا … وجــعُ الـقلبِ الـذي يـأبى الـمهينْ
لُـعِـنَـتْ دنــيـا بــهـا الــشَّـرُّ طـغـى … ومـــع الـحـقـدِ تـآخـى والـمـجونْ
فـالـمـسـاحـاتُ الـــتــي حــرَّمــهـا … وحيُ ربِّ العرشِ في دنيا الفتونْ
يــتـلاشـى مـــا بــهـا مـــن ســفـهٍ … بـــهــوان الـمـتـرفـيـن الـعـابـثـينْ
والـمـلاهـي أطــربَـتْ شـيـطـانَهم … فَـهْوَ يـرعى هـرطقاتِ الـمحتفينْ
وإذا الـــنُّـــذْرُ تــنــاديـهـم إلــــــى … خِـربـةِ الـشـيطانِ لـولا يـستحونْ
عــاجـلَـتْـهـم نــقــمــةُ اللهِ فـــلــم … تَـــرَ فـيـهم غـيـرَ عـبـدٍ مـسـتكينْ
حــقـبٌ تـمـضـي وأخـــرى أهـلُـهـا … فــي تـبـارِ الإثـمِ أمـسوا هـامدينْ
مــــا تـخـطـتْهُم رحـــى غـفـلـتهم … إذ أتـــى الـمـنذرُ يُـنْـبِي الـغـافلينْ
فــتــلا آيـــاتِ ربِّ الــعـرشِ فـــي … أُذُنِ الــنـاسِ عـسـاهـم يـسـمعونْ
ويـــلَ مَـــن بـــارزَ بــالإثـم الــذي … أهـلـكَ الـنـاسَ الـعتاةَ الـمجرمونْ
حــيـثُ فــازَ الـركـبُ أحـيـا أهـلَـه … بـالـمـثاني واسـتـقـامَ الـمـدلجونْ
هــــم بــمـحـرابِ تُــقـاهـم رُكّــــعٌ … سُـــجَّـــدٌ لـــلـــهِ ربِّ الــعـالـمـيـنْ
وتــرى رحــبَ الـطـريقِ الـمجتبى … لـيـس يـرضـى بـجـموعِ الـغابرينْ
هـــم أرادوهــا كـمـا شــاءَ الـهـوى … فـاستحقوا النَّارَ مثوى الجاحدينْ
مـــا ارتــضـوا نـهـجًا وقــد أنـزلـه … ربُّــنـا الأعــلـى كــشـأنِ الـنَّـابـهينْ
فـتـقدمْ يـافـتى الإسـلامِ واهـتفْ … فــي سـبـيلِ اللهِ والـشَّّرعِ الـمبينْ
قـــد تـعـانـي مـــن أذيَّـــاتٍ وقــد … تُـحـرمُ الـراحةَ فـي الـدنيا سـنينْ
إنَّـــــك الـــمــلاَّحُ فـــــي لُــجَّـتِـهـا … ولــك الـمجدافُ يـجري بـالسفينْ
أيُّــهــا الــمــلاَّحُ لاتــخــشَ الــلـقـا … إنــه الـطـوفانُ يـطوي الـمحنقينْ
أنــت مـن روحِ عـهودِ الـمصطفى … والأعــادي قــد بـغوا مـستنسرينْ
وبــــــأولاتِ الــمــزايـا والــتُّــقـى … يـتـبـاهى جـيـلُـنا الــحـرُّ الأمــيـنْ
إنــــه جــيــلُ الـمـثـانـي مــاونــى … أو تــوارى فــي عِــدادِ الـمرجفينْ
كــالـدراري فــي مــداراتِ الـهـدى … لــن تـراهـم فــي ركــابِ الآفـلـينْ
يـصـنـعُ الـمـجـدَ ويـبـني صـرحَـه … مَــنْ تـصـدَّوا لـزحـوفِ الـفاسقينْ
بـــــارك اللهُ مـسـاعـيـهـم عـــلــى … مــدرجِ الـعـلياءِ هــا هـم قـادمونْ
رغــمَ وَقْــدِ الـكـربِ فــي أيـامـهم … رغــمَ غــاراتِ الـطغاةِ الـمشركينْ
رغـــم قــيـظِ الـشَّـرِّ فــارتْ نــارُه … فـي جـحيمِ الـشَّرِّ والحقدِ الدفينْ
وهــــي الــرايـةُ عـــادتْ بـالـهـدى … حــيـثُ بـالإسـلامِ رفَّــتْ لاتـهـونْ
لـــم تـصـنْـها غــيـرُ أيــدٍ عـاهـدتْ … ربَّــهـا الـقـاصمَ ظـهـرَ الـمـجرمينْ
وهــــي الأمَّــــةُ لـــم تـعـبـأ بــمَـنْ … خـذلـوهـا فــب الـبـرايا عـاجـزينْ
مِــلــلُ الــبـاطـلِ ضــلَّــتْ دربَــهــا … وتـصـدَّتْ لـهُـدانا مــن كــلَّ حـينْ
واشــرأبَّــتْ هــكـذا فـــي كِـبـرِهـا … تـهـلكُ الـحـرثَ وتـجـتثُ الـوُكونْ
إنَّـــــه الـــحــادي يـــنــادي أمَّــــةً … أيــن أبـنـاؤُكِ أيــن الـصَّـادقونْ ؟!
تــلــك آثــــارُ خُــطــى تـاريـخِـهم … لــيـس تـبـلـى أو مـغـانيها نُـسِـينْ
ويـلـهـم كــلُّ الـحـشودِ انـدحـرتْ … وفــلــولِ الـمـرجـفـين الـشَّـانـئينْ
لـــم تــنـم آمــاقُ فـرسـانِ الـهـدى … فـهُـمُ الأحـفـادُ جـمـعُ الـمخلصينْ
يــتـراءى فـيـهُـمُ وجــهُ الـضُّـحى … فَـسَـنى الـفـتحِ عـلـى كــلِّ جـبينْ
لــرضــا الـرحـمـنِ عــاشـوا قـيـمًـا … ومـعـانـيها حِـسـانٌ فــي الـسـنينْ
ولِــفــتــحٍ لــخـطـاهـم يُــرتَــجَـى … رغـــمَ أوغــادِ الـبـرايا يـحـشدونْ
يُــغـلَـبُ الــشَّــرُّ وإن طــــالَ بــــه … أمــدُ الـخـطبِ وغــيُّ الـمـفسدينْ
يــــــرثُ الأرضَ عـــبــادٌ هــمُّــهُـم … فــي اتِّـبـاعِ الـمـنقذين الـمرسلينْ
فَـــهُـــمُ الــنَّــفـحُ لــدنـيـاهـم وإنْ … أبــعـدتْـهـم عـــربــداتُ الآثــمـيـنْ
تــعــلــمُ الــدنــيــا مــحـيَّـاهـم إذا … فــاضَ بـالـنُّورِ طـريـقُ الـسَّـالكينْ
وعـلـيهم لــم تــزلْ تـبـكي الـدنـى … يــومَ غـابـوا عـن قـضاياالقاطنينْ
لــيــس فــيـهـم مــتــرفٌ أخَّــــره … عـــن نـــداءات الـمـثـاني أيُّ دونْ
تــهـنـأ الأمــصــارُ إنْ حــلُّـوا بــهـا … فَــهُـمُ الـخـيرُ يُـواسـي الـبـائسينْ
كــالأزاهــيـرِ الـــتــي لاتــخـتـفـي … فــي بـسـاتينَ جـنـاها الـمحتفونْ
بــاقــةُ الأفــــراحِ فــــي أيـديـهُـمُ … والــهــدايـا لــكـئـيـبٍ و حـــزيــنْ
أنـصـفوا الـنـاسَ فـمـا فـي حـيِّهم … غـيرُ مـسرورٍ تـعافى مـن شـجونْ
وعــلـى الـــوُدِّ تـصـافـى جـمـعُهم … بـيـنَ أفــذاذِ الـرجـالِ الـمصلحينْ
قــتـلـوا الــحـقـدَ وقــــد فـرَّقـهـم … وأشـاعوا الحبَّ فاسْتُبْقِي مصونْ
لـم تـجد فـيهم فـتىً يُغضي على … حـسرةٍ تُـدمي ومـا فـيهم حـرونْ
فــهُـمُ الأحـبـابُ فــي ديــنٍ سـمـا … بـالإخـاءِ الـعـذبِ والـعـهدِ الـمكينْ
وخـصـالُ الـسُّـوءِ لـم تـنبتْ عـلى … تـربـةِ الإيـمـانِ بـيـن الـمـصطفينْ
نــبــذتْــهــا أُمَّــــــــةٌ مـــخـــتــارةٌ … لِــبــنــاتٍ صــالــحــاتٍ و بــنــيــنْ
يُــنـبـئُ الــحــالُ الـــذي أكـرمـهـم … بــمــآتــيــه إلــــــــهُ الــعــالــمـيـنْ
إنَّ مــاتــلـقـاهُ فــــــي مــجــتـمـعٍ … صـاغـه الإســلامُ لايـعـروهُ هــونْ
فـالـسـجـايا فــاضــلاتٌ والــنُّـهـى … زانـهـا الـفـكرُ الـرصـينُ الـمستبينْ
هُــــنَّ يــومِـئـنَ بــطُـهـرٍ إن عــــرا … دنــــسُ الــلــؤمُ لإنــسـانٍ مـهـيـنْ
فــشــقــيٌّ أو خــبــيــثٌ عـــابــثٌ … مَــــن رمــــى إخــوتَــه لـلـقـائلينْ
وتــــمـــارى مــــاكـــرًا حـــرَّضـــه … قـلـبُه الـمـخدوعُ مــذ كـان جـنينْ
فـجـلـيـسٌ صــالــحٌ عِـــشْ مــعـه … وابــتـعـدْ عــمَّـنْ لـدنـيـاهُ خــديـنْ
يـتـعـالـى الــخِــبُّ عـــن مـوقـعِـه … وهــو الـمـخلوقُ مـن مـاءٍ وطـينْ
ذلـــــك الــمــعـوجُّ مــــا أرضــعــه … ثـديُ بـنتِ الأصـلِ أخـتِ النابغينْ
هــو لــم يَـنْضُ عـن الـعين الـقذى … مــــدَّةَ الــعـمـرِ وأحــيــاهُ مــهـيـنْ
يـصـعـدُ الـسُّـلَـمَ لــكـنْ لـــم يــزلْ … أســفـلَ الـحـوضِ بـمـرماه قـمـينْ
فــتــرفَّــقْ أيُّـــهـــا الـمـسـكـيـنُ لا … تـــرمِ بـالـنـفسِ لأوهـــامِ الـفـتونْ
لـــســتَ أهـــــلا لـلـمـعـالي إنَّــهــا … لـــذوي الألــبـابِ قـــوم عـارفـيـنْ
لــــم يــوشِّـحْـنَ فــتــىً ذا ســفـهٍ … بــثــنــاءِ الـمـتـقـيـنْ الـمـخـبـتـينْ
هـــكــذا الأمــــةُ يــأتــي بــؤسُـهـا … مــن فـعـالِ الـمـفلسين الـبـائسينْ
لــم تـجد مـن قـبلُ مـن يـزجرُهم … فــتــمــادوا بــفِــعــالِ الـعـابـثـيـنْ
ســيــرةٌ فــيــه مــداهــا يُــــزدَرَى … لُــوِّثـتْ بـالإثـمِ والـفـعلِ الـمـشينْ
أهــــو الــصــورةُ فــــي مـجـتـمعٍ … تُـرتَـجَى بـئـسَ مـطافُ الـمفترينْ
جُـمِـعَتْ فـيـه خـصـالٌ قــد نـهـى … عـــن مَـسَـاويـها نـبـيُّ الـمـسلمينْ
ومَـــن اسـتـعـدى عــلـى إسـلامـه … باتَ كالجَحْشَمِ (2) بين الخائرين
شــظَّــه الأمــــرُ(3) فــأمـسـى نـائـيًـا … فـي عِـدادِ اليائسين الغابرينْ
وتــلاشـى مـفـلـسًا فـــي عـيـشـه … والـمـصـيرُ الــنَّـارُ بــيـن الـهـالكين
———-
هوامش
1- الوزين : حب الحنظل .
2- الجحشم : البعير الذي انتفخ جانباه وقعد عن السعي .
3- شــظَّه الأمر: شقَّ عليه ، فأدبر عنه .