في السابع عشر من أبريل الجاري، ألقى مكتب التحقيقات الأمريكي الفيدرالي القبض على شخصين بتهم جنائية اتحادية تتعلق بتشغيل مركز سري للشرطة الصينية في نيويورك.
وتقول مجلة “فورين بوليسي”، في تقرير مطول نشرته الخميس، إن هذا المركز هو واحد من أكثر من مئة مركز مماثل للصين تعمل دوليا، “والعديد منها بدون إذن من الدولة المضيفة.
وأشارت إلى أن إعلان السلطات الأمريكية عن أول تهمة من هذا النوع، بمثابة رسالة للصين بأنه بالرغم من أن هناك علاقات رسمية، “فإننا نعلم ما تفعلونه، وسنمنع حدوثه على أراضي الولايات المتحدة”.
ويُزعم أن الرجلين، وهما “هاري” لو جيانوانغ (61 عامًا) من سكان حي برونكس، وتشين جين بينغ (59 عامًا)، والذي يقيم في مانهاتن كانا يديران مركزا سريا يتبع وزارة الأمن العام الصينية، حيث شاركا في جمع معلومات استخباراتية ومراقبة وترهيب معارضي النظام الصيني.
وقال ممثلو الادعاء إن المركز، الذي تم إنشاؤه نيابة عن “فرع فوتشو” بوزارة الأمن العام الصينية، يعد أول موقع استيطاني من هذا النوع في الولايات المتحدة، مؤكدين أن المتهمين كانا ينفذان أوامر من مسؤول أمني صيني.
وتشير المجلة إلى أن بؤرا استيطانية أخرى تابعة للصين في أستراليا وفرنسا وإيطاليا وعشرات غيرها من أنغولا إلى أوزبكستان، شاركت أيضا في جمع معلومات استخباراتية ومراقبة منشقين وتسليمهم .
وجاء إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي عن مركز الشرطة الصيني السري في نيويورك، بعد اكتشاف بالون التجسس الصيني سيئ السمعة الذي جمع معلومات استخباراتية عسكرية مهمة أثناء تجواله عبر الولايات المتحدة، مما أثار ذعر إدارة بايدن.
وكانت الهجمات الإلكترونية الصينية مسؤولة أيضا عن اختراقات تعرضت لها مواقع حكومية أميركية، بما في ذلك ملفات ملايين الموظفين الحكوميين.
ومع ذلك، فإن هذه الحوادث التي حظيت بتغطية إعلامية ليست سوى غيض من فيض، بحسب المجلة.
وتعتبر أن هناك عمليات تجسس أكثر انتشارا وخفية وخبثا، مع الاقتناع المتزايد بأن تطبيق تيك توك على سبيل المثال هو أداة محتملة للحكومة الصينية للتأثير والتجسس، من خلال استخدام الهاتف كجهاز مراقبة، وجمع البيانات البيومترية بما في ذلك بصمات الوجوه والبصمات الصوتية.
بالإضافة إلى ذلك تقوم الحكومة الصينية بإنشاء جمعيات ثقافية في العديد من البلدان وزيادة برامج تعليم اللغة الصينية، وشراء مؤسسات تعليمية وأراض بالقرب من منشآت عسكرية.
وبالرغم من أن تركيز الصين على القوة الناعمة الخفية ليس بالأمر الجديد، ويتم متابعتها من قبل وكالات الاستخبارات الأميركية، لكن المجلة تشير إلى أنه تم التسامح معها بأكثر مما ينبغي إلى درجة أصبح من الصعب متابعة كل هذه الأنشطة.
ووجد تحقيق لمجلة نيوزويك أن 600 منظمة مؤثرة في الخارج يسيطر عليها أو يرعاها الحزب الشيوعي الصيني، في الولايات المتحدة وحدها.
وتقول فورين بوليسي إن من بين هذه المنظمات “مؤسسة إكستشينج”، وجمعية الشعب الصيني للصداقة مع الدول الأجنبية ، ومعهد الصين في نيويورك، وفرع الولايات المتحدة من غرفة التجارة العامة الصينية.
وتوضح أنه في الولايات المتحدة يوجد “ما لا يقل عن 83 جمعية صينية للمهاجرين، وعشرة مراكز للمساعدة، و32 غرفة تجارية، و13 علامة تجارية لوسائل إعلام ناطقة باللغة الصينية، وحوالي 35 جمعية للمهنيين الصينيين في الولايات المتحدة، و38 منظمة تروج لـ”إعادة التوحيد السلمي” للصين وتايوان، و129 مجموعة صينية أخرى تقول إنها تتعلق بالتعليم والثقافة”.
وتشير المجلة إلى أن عددا من هذه المنظمات تركز على تحديد المنشقين والمعارضين الذين تعتبرهم بكين خطرين على أمنها القومي.
في حين أن منظمات أخرى تتمثل جهودها في توظيف المواهب في الصين، من خلال تشجيع المواطنين الصينيين والأجانب أو إغرائهم أو الضغط عليهم للعمل في مجالات التكنولوجيا الهامة، ونقلها إلى الصين.
على سبيل المثال، يدعي مركز بحثي يدعي “ثاوساند تالانتس” بأنه يحتفظ ببيانات عن 12 مليون عالم في الخارج، بما في ذلك 2.2 مليون عالم ومهندس من أصل صيني”، وفقا لتقرير معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي.
كما أصبحت وسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية “المستقلة” في جميع أنحاء العالم الآن تحت سيطرة الدعاية المؤيدة لبكين إلى حد كبير، بحسب المجلة.
ماذا يجب أن تفعل الولايات المتحدة؟
قدم النائبان في الكونغرس الأمريكي، مايك والتز وكريسي هولاهان، تشريعات تمنع المدارس الخاصة المملوكة للحزب الشيوعي الصيني من تلقي تمويل من الحكومة الأميركية.
وتشير المجلة إلى أن هناك مدرستين عسكريتين صينيتين في الولايات المتحدة، واحدة منها مملوكة لشركة صينية هي أكاديمية نيويورك العسكرية التابعة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وتقول المجلة إن مشترين صينيين اشتروا بالفعل 17 مدرسة خاصة غير عسكرية في المملكة المتحدة والعشرات في الولايات المتحدة.
يبحث الكونغرس أيضا في عمليات شراء ضخمة للأراضي من شركات تابعة للحكومة الصينية في الولايات المتحدة.
وفي أستراليا، منحت الحكومة لشركة صينية عقد إيجار ميناء داروين لمدة 99 عاما، حيث يوجد لدى الولايات المتحدة 2500 جندي من مشاة البحرية وتخطط للتوسع.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه وفقا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية “قفزت ملكية الصين للأراضي الزراعية الأمريكية أكثر من 20 ضعفا في عقد من الزمن، ومن 81 مليون دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2020”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن قرب الأراضي التي يتم شراؤها من القواعد العسكرية الأميركية. وتتطلع الهيئات التشريعية للولايات وكذلك الكونغرس الأمريكي إلى الحد من مثل هذه المشتريات في المستقبل.
وتعتبر بكين أن عشرات الملايين الصينيين في الخارج، بمثابة مجندين محتملين يمكن استخدامهم في عمليات التجسس والتأثير.
وبالرغم من أن الجهود الناعمة لأي دولة هو عمل مقبول وأنه ليس كل شركة صينية أو وطنية تستثمر في الولايات المتحدة هي تفعل ذلك نيابة عن حكومة بلادها، فإنه مع تشديد الرئيس شي جين بينغ قبضته على جميع الجوانب السياسية والاقتصادية في الصين، يصبح من الصعب بشكل متزايد عدم الشك في توسع بكين في الخارج، لأن القانون الصيني صريح في قوله إن جميع الأفراد والشركات ملزمون بمشاركة المعلومات مع الحكومة.