شهدت الساحة الأفغانية تصعيداً سياسياً وعسكرياً خطيراً خلال الأسابيع الماضية، والتي تُوّجت بلقاءات وفد حركة طالبان الأفغانية في العاصمة القطرية الدوحة مع مسؤولين أميركيين بعيداً كل البعد عن مشاركة الحكومة الأفغانية، وقد سعت «طالبان» من خلال تركيبة الوفد إلى وضع شروطها وأشخاصها على طاولة التفاوض، مما أعطى رسائل للداخل الأفغاني بأن الحركة تدخل عالم التفاوض بالقوة نفسها التي أثبتتها طوال الفترة الماضية بقتال تحالف مكوّن من 39 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أجبرته بعد 18 عاماً من القتال والحرب على الدخول في تفاوض ثنائي.
اللافت أن الحركة واصلت نشاطها العسكري بوتيرة متسارعة، بينما كانت تدخل المفاوضات وتوّجتها بالهجوم على قاعدة «شوراب» الأميركية والتي تتضارب فيها أعداد القتلى والجرحى بحسب رواية كل طرف، ولكن طريقة وحجم الهجوم يؤكد أن الحركة استطاعت تحقيق اختراق أمني وعسكري وسياسي خطير في الفترة الأخيرة، وهو ما سينعكس سلباً إن كان على صعيد القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان، أو على صعيد القوات الأفغانية الموالية للأميركيين، والتي باتت تشعر أن أيامها لا تختلف عن الأيام الأخيرة للقوات الشيوعية في أفغانستان، التي كانت تنتظر بخوف وقلق دخول قوات المجاهدين كابل في عام 1992.
المثير للدهشة لدى كثير من المحللين، أن واشنطن بإعلانها الانسحاب من أفغانستان أولاً، ثم توجهها إلى طاولة المفاوضات، أرسلت رسائل سلبية جداً لمقاتليها، بالقدر نفسه الذي أرسلت رسائل واضحة وإيجابية -من حيث لا تقصد- ربما لمفاوضها «الطالباني»، بأن الانسحاب ليس مادة للتفاوض، وإنما هي ستنسحب، وهو الأمر الذي سيلقي بظلال سلبية خطيرة على القوات الأفغانية الموالية لها، بالقدر نفسه الذي سيلقي بظلال إيجابية على المفاوض «الطالباني» وقواته في داخل أفغانستان.
وبينما كانت القوات «الطالبانية» تصعّد عسكرياً وتفاوضياً، كان الصيف الباكستاني قد بدأ قبل أوانه، حين شنّت ميليشيات مسلّحة كشميرية هجوماً على مركز للجيش الهندي، وهو ما أسفر عن مقتل أربعين جندياً وجرح العشرات، وتبع هذا تصعيد عسكري خطير بين البلدين أدى لإسقاط طائرتين هنديتين وأسر طيار هندي تم الإفراج عنه لاحقاً كإشارة على حسن النية، ويعتقد على نطاق واسع بين أوساط المحللين والخبراء، أن هذا التحرك ليس ببعيد عن الوضع الأفغاني، فباكستان ترى أن الهند تسعى إلى ملء الفراغ الذي سيخلّفه رحيل القوات الأميركية في أفغانستان، وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الباكستانية ما حصل بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989 وسقوط النظام الشيوعي، وتحرك قوى إقليمية عدة لملء الفراغ الأفغاني يومها، ولذلك فإن باكستان تسعى إلى حجز مكان مبكر لها في أفغانستان، وربما يكون لها الكرسي الأكبر إن لم يكن الوحيد في اللعبة الأفغانية المقبلة، ولعل هذا ما يفسّره تهديد باكستان على الفور بسحب قواتها من على حدودها مع أفغانستان، الصيف الأفغاني على ما يبدو سيكون ساخناً جداً، ويدخل هذه المرة بدعم باكستاني -كما كان على الدوام- لصالح حركة طالبان الأفغانية، والتي ترى نفسها على ما يبدو القوة المقاتلة الفتية والشابة التي خرجت من نصر -كما تراه- ضد 39 دولة، ومن المؤكد أن يلقي مثل هذا المزاج بشكل سلبي خطير على القوات الأفغانية وربما على داعميها، وهنا لا بد من إدراك وضعية التحالف الشمالي الأفغاني الذي تتشكل منه القوات الأفغانية الحالية، وحينها قد يتعرض حلفاؤه في موسكو وطهران إلى هزّة حقيقية، ستدفعه بكل تأكيد إلى التركيز على أفغانستان، وربما تشتيت جهده وقواته على جبهتين هما السورية والأفغانية.
- العرب القطرية
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: اقتصاد أفغانستان.. فرص وتحديات - أغسطس 6, 2022
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: مذبحة حي التضامن الدمشقي - مايو 15, 2022
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: ضريبة القطع مع الشمال السوري المحرر - أبريل 24, 2022