إن بحثتَ في أخلاق الناس وجدتَ صنفين: صنفٌ صالحٌ طيب كريم الخصال حُلو المعشر، وصنفٌ كاسدُ الأخلاقِ خبيث النفس وإن بدا غير ذلك. وكلا الصنفين موجود في حياتنا، وقد أظهرتهما الأحداث، وكشفتهما المواقف والمِحن، وهذا فضلُ الله على الناس: أنه يميز الخبيث من الطيب، ويكشف السوء.

وفى النعمان قال عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): «إن للإيمان بيوتًا وللنفاق بيوتًا، وإن بيت بنى مقرِّن من بيوت الإيمان»، وتظل هذه الجملة حكمة الزمان، وصَدَقَ ابنُ مسعود (رضي الله عنه)، فإنّا رأينا من يلبى النداء، ويسعى إلى الخير، ويبذل المعروف؛ حُبًّا وكرامة لدين الله، وهم -غالبًا- سليلو بيوت دين وإيمان، وأبناء قدوات حازوا العقل والحلم والأمانة والوفاء، وعلى قدر ما يبذلون -وهو كثير- لم ينتظروا جزاء ولا شُكورًا، أكرمهم الله وأخلف عليهم.

صاحبت أحدَهم لعقود وهو على تلك الهيئة من الدماثة والليونة والصلاح، فما تغيّرت تلك الهيئة يومًا إثر مدح أو ذم، أو ظهور أو خفاء، بل كان واحدًا صحيحًا في كلِّ أحواله، صادقًا مخلصًا، أفعاله موافقة لأقواله، وكلاهما ينبئ عن نفس راقية، مؤمنة مطمئنة محبةٍ للصالحين، وحرصٍ عليهم كأنهم عصبةٌ أو رحم، فلما نظرتُ في أصل هؤلاء وجدتهم خرجوا من بيوت تربّت على الفضيلة، واعتزّت بالإسلام دينًا ومنهج حياة؛ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف: 58].

والبونُ شاسع بين هؤلاء الكرام الأتقياء ذوى الصدور السليمة الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وأولئك الخبثاء ذوى القلوب السوداء الذين تأصلت فيهم صفات الخيانة والغدر.. كان أحدُهم يؤاكلني ويشاربني ويشاركني العمل، وكنتُ أعاملهُ بالحسنى مطمئنًا إلى ما يبديه -ظاهريًّا- من تعاطفٍ ووفاء، فلما تبدلت الأيام وتغيَّرت الأحوال قلب لنا ظَهْرَ المجنّ، وحوّل الصداقة إلى عداوة في مشهد لا يستوعبه العقل ولا يقرّه عُرفٌ آدميّ.

ونظرت في هذه الطائفة فوجدتها أكثر المخلوقات شبهًا بالضبع في جُبنه وخُبثه وخيانته، ينهشونك على غرة وقد أعطيتهم الأمان، فإذا أفقت من الصدمة وجدت ميراثًا ضخمًا من النفاق، وآثارًا من العبودية متأصلة في النفوس لم تفارقها يومًا وإن تغطت بغطاء المظهرية والكذب، ووجدتهم خرجوا من بيوت تربّت على الخداع ونقض العهود، وآثرت العيش الذليل على الكرامة والعزّة؛ فنتج عنها نفوس مشوهة طُويت على نوايا خبيثة وكراهية لكل ما يمُتُّ لدين الله بصلة وإن أبدوا غير ذلك..

فهم يصلّون ويحجّون ويعتمرون، ويسبحون ويهللون لكنها أعمال المرائين؛ فألسنتهم حداد، يسلقون بها المؤمنين وينالون أعراضهم، وصلاتهم لم تنههم يومًا عن منكر فعلوه، وعن كبرٍ وبطر وأشر وعنجهية فارغة، ولم يزد حجهم وعمرتهم على أن أضاف إليهم لقبًا استغلّوه كواجهة فى دعم الظالمين وتحريضهم على أهل الحق والصلاح.

علِّموا أبناءكم أن يصاحبوا أهل الإيمان وذوى القلوب النظيفة، وحذروهم من اتباع المنافقين الخبثاء ذوى القلوب السوداء، وحصّنوهم من الوقوع في شُرُكِ وخِدَعِ هؤلاء الذين يأتونك حين المغنم ويحاربونك حين المغرم.

 اللهمّ احفظنا بما تحفظ به الصالحين من عبادك، ونعوذُ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق.

من عامر شماخ

كاتب صحفي مصري