- الربيع العربي.. معارك وأسئلة - فبراير 21, 2021
- ترامب إذ يواصل الابتزاز - يناير 7, 2021
- مشروع التصفية الذي لم يوقفه «كورونا» - أبريل 29, 2020
في كلمة له خلال افتتاح منتدى «الحرية والسلام» بمقر الرئاسة برام الله يوم الأربعاء الماضي، وبحضور سياسيين إسرائيليين، ذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس شوطاً أبعد في تأكيد مقولات سابقة ينكرها مؤيدوه.
قال بالنص، والفيديو موجود لمن أحب التأكد: «أريد أن ألتقي مع جيل الشباب في إسرائيل. الجيل الذي نعمل هذه الأيام من أجل مستقبله، من أجل أن يعيش بأمن واستقرار في هذه المنطقة».
وأضاف: «في قضية اللاجئين.. الدعاية و(البروباغندا) الإسرائيلية تقول إن أبو مازن يريد أن يعيد إلى إسرائيل 5 ملايين لاجئ لكي يدمّر دولة إسرائيل. هذا لم يحصل إطلاقاً. ما قلناه هو تعالوا نضع ملف اللاجئين على الطاولة، ولكن لا نريد أن نُغرق إسرائيل باللاجئين لكي نغيّر تركيبتها الاجتماعية».
وتابع: «قالوا إن إسرائيل حساسة جداً تجاه الأمن، ونحن نقدر هذه الحساسية. نقدر أن إسرائيل خائفة من المستقبل والتطرف. لا بأس؛ فلنأتِ بطرف ثالث يجلس في أرضنا، لكي يحمي الأمن في المنطقة، وقبلنا أن يكون الطرف الثالث هو الناتو».
بهذا الحديث يواصل عباس توجيه الصدمات، إذا لم نقل الصفعات للشعب الفلسطيني؛ وهو الذي اعتاد ذلك، منذ أن وقف في الخندق المقابل لكل الشعب يوم أجمع على انتفاضة الأقصى بعد قمة كامب ديفيد صيف العام 2000، وبعد زيارة اقتحام شارون للمسجد الأقصى.
يومها قَبِلَ عباس أن يكون رأس حربة أميركا والغرب في حصار ياسر عرفات -رحمه الله- في المقاطعة، الأمر الذي مهّد الأجواء لاغتياله لاحقاً، ولم يشعر بأية أزمة حين كان الراحل يصفه بأنه «كرزاي فلسطين»، وتقول فيه القبيلة الفتحاوية ما تقول في وضح النهار، وكان يقف بجانبه جنباً إلى جنب عدوه اللدود حالياً، أعني محمد دحلان الذي فرضه الغرب مسؤولاً للأمن كما فرض عباس رئيساً للوزراء بصلاحيات كبيرة. كل ذلك لم يكن كافياً لأن يخرجه من التداول الفتحاوي كمرشح لخلافة عرفات بعد قتله، فمنطق القبيلة يختلف عن منطق حركات التحرر، وحين تتحوّل حركة تحرر إلى قبيلة، فهي ستهتف للشيخ الجديد أياً كان، ومهما كان الرأي فيه سابقاً. طوال سنوات، لم يتوقف عباس عن توجيه الصدمات للشعب الفلسطيني، بدءاً بوصف كفاحه المسلح في انتفاضة الأقصى وما بعدها بالعبث، ومروراً بـ «تقديس» التعاون الأمني، وليس انتهاء بالحرب التي يشنها على حماس وقطاع غزة، والإصرار على نقل تجربته الكارثية في الضفة إليها. في الشق السياسي، لم يأتِ في خطابه الأربعاء بجديد، لكنه بين حين وآخر يتحدث عن الثوابت، بما يمنح القبيلة الحزبية فرصة التأكيد على أنه يتمسك بها، لكنه في الكلام الأخير يبدو أكثر وضوحاً بكثير، من حيث تدني مستوى الخطاب الانبطاحي أمام العدو.
المثير في الخطاب الجديد أنه يأتي بعد مواقف ترمب من القدس، وبعد تصاعد الاستيطان والتهويد، وبعد وضوح البرنامج الأميركي الإسرائيلي فيما خصّ التسوية، والذي لا يتعدى الحديث عن حكم ذاتي على مناطق (أ)، و(ب)، مع تحسينات اقتصادية، وبدون القدس ولا اللاجئين، وبدون السيادة. ولأن من الصعب عليه تقديم تنازل فيما يخصّ القدس، وإن قدّم الكثير في مفاوضاته مع أولمرت وليفني كما فضحت ذلك وثائق التفاوض الشهيرة، فقد تحدث عن شقين هنا؛ الأول هو اللاجئون، وقال ما قال. والثاني هو الأمن عبر التنازل عن السيادة بقبول حضور دولي.
كل تنازلاته الجديدة وعروضه لن تؤدي إلى أية نتيجة، كل ما ستفعله هو بث الإحباط في صفوف الفلسطينيين، ولعل ذلك هو ما يريده عملياً كي لا يفكر أحد بالمقاومة، وهو راضٍ عملياً عن وضعه الراهن، وهو يتحدث عن تغيير الحكومة وعن الانتخابات، وكأنه يقود دولة لا ينقصها شيء.
مع ذلك ستواصل القبيلة الحزبية التطبيل له، بما في ذلك أناس من القبيلة ذاتها يعيشون في الشتات، ويرون كيف يتنازل عن حقهم في العودة إلى ديارهم.
«فتح» هي كارثة القضية الفلسطينية راهناً، ومن دون أن تستعيد ذاتها كحركة تحرر، فسيتواصل التيه، ويبقى الأمل أن ينقلب الشعب في وجهها ويعيد تصحيح البوصلة، وهو الاحتمال الذي يعمل عباس والصهاينة وكثير من العرب وقوى العالم من أجل الحيلولة دون حدوثه.