عملية شعفاط التي نفذها مقاوم فلسطيني مساء السبت الماضي، تمثل فشلا ذريعًأ للمنظومة الأمنية والعسكرية للاحتلال الصهيوني في مدينة القدس المحتلة على وجه الخصوص من ناحية التوقيت والمكان.
وتزامنت عملية شعفاط التي نفذت على الحاجز العسكري للمخيم مع استنفار غير مسبوق لشرطة الاحتلال وعناصر جيشه في ظل احتفالات المستوطنين بالأعياد اليهودية المزعومة، والتي امتدت منذ سبتمبر الماضي مرورًا بالشهر الجاري.
ويعود تاريخ حاجز شعفاط الذي شهد مكان تنفيذ العملية إلى الانتفاضة الثانية حيث أنشأه الاحتلال عبر دوريات عسكرية تقوم بتفتيش المركبات، ومع بدء بناء الجدار حول المنطقة في 2002 تحوّل الحاجز إلى شبه دائم ولكن دون بناء إسمنتي، وفي العام 2009 أعلنت سلطات الاحتلال رسميًا عن تحويل الحاجز المؤقت إلى «معبر دولي» -أي بناء يفصل الأراضي التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس عن مناطق الضفة-، واستمر العمل على توسيع الحاجز وبناء غرف تفتيش ومسارات المركبات وأبراج مراقبة وبوابات إلكترونية أكثر من 4 سنوات.
ومع إغلاق الحاجز، يتحول السكان في تلك المنطقة إلى سجناء في منطقة معزولة بالجدار عن الضفة الغربية، وعن القدس بالحاجز، حيث يتكون الحاجز من 3 مسارات رئيسية، الأول للمشاة عبر بوابات فحص إلكتروني، والمسار الثاني مخصص للحافلات التي تخضع لتفتيش دقيق أيضا، والثالث للمركبات الخاصة.
ورغم هذه التحصينات إلا أن العملية وجهت ضربة قوية للاحتلال من الناحية اللوجستية والأمنية والعسكرية، إضافة لضعف الأداء الميداني لجنوده الذي لطالما تغني به الاحتلال وتحدث عن قدرة جنوده السريعة في الوصول إلى المنفذين.
وجاء انسحاب المنفذ من المكان بسلام بعد تنفيذه العملية بإحكام ليكمل الضربة الأمنية التي وجهت للاحتلال، في الوقت الذي فشل فيه الاحتلال بعد أكثر من 4 أيام في الوصول إلى المنفذ ولجأ لاتخاذ أساليب عقابية ضد أهالي مخيم شعفاط والمناطق الملاصقة بها.
في هذا السياق، يقول الباحث العسكري رامي أبو زبيدة إن الساحة الفلسطينية تعيش حالة فريدة من نوعها في ظل ما تشهده الضفة المحتلة وضواحي القدس من تصاعد واضح في حالة المقاومة بشكل عام والمقاومة الإبداعية بشكلٍ خاص.
ويشير أبو زبيدة في حديثه لـ«شبكة قدس» إلى أن الشبان المقاومين ابتكروا أدوات عدة لتنفيذ عملياتهم، مثل عملية شعفاط وما سبقها من عمليات وكل هذا يشير لتصاعد العمل وتوسع هذه الحالة القائمة، إضافة إلى استخلاص الدروس وتنفيذ عمليات بأنماط جديدة.
ووفقاً للمختص في الشأن العسكري فإن أهم ما يميز هذه العملية حجم الجرأة والمفاجأة التي أحدثتها لقوات الاحتلال على الحاجز، وهو ما شكل عامل الصدمة للجنود إضافة لما تلاها من هدوء المقاوم في الانسحاب من المكان.
ويرى أبو زبيدة أن قدرة المقاوم على تنفيذ هذه العملية والانسحاب بهدوء دون أي إصابة يعكس حجم الإحباط والارتباك الحاصل لدى الجنود على الحاجز، وبالتالي فإن هذه العملية ناجحة في كل مراحلها وما يزال الاحتلال يعيش تبعاتها حتى اللحظة.
ويضيف: هناك خلل كبير لدى الوحدة الإسرائيلية الموجودة على الحاجز، من ناحية دخول المقاومة للحاجز وإطلاق النار من مسافة أقل من صفر وإصابة الجنود المتكدسين في مكان واحد دون أي قدرة لهم على الرد عليه.
ويعتبر أن ما جرى هو خلل كبير يشير إلى حجم الفارق بما يعلنه الاحتلال من قدرته على ملاحقة المقاومين وقدرته على المواجهة وأنه في لحظة الاشتباك يثبت تميز وتفوق المقاوم الفلسطيني وجرأته عن الجندي الصهيوني.
ويرى أبو زبيدة أن لجوء الاحتلال لسياسة العقاب الجماعي ومحاولة كي الوعي المجتمعي سياسة فاشلة ثبت عدم جدواها سابقًا، سواء بفرض الحصار أو إغلاق القرى والبلدات أو سحب التصاريح وهدم منازل منفذي العمليات في الضفة والقدس المحتلتين.
من جانبه، يرى الكاتب والباحث في شؤون القدس راسم عبيدات أن عملية شعفاط تعتبر من العمليات النوعية نظراً لطبيعتها الجغرافية وجرأة المنفذ وقدرته على إصابة الأهداف والانسحاب من المكان بهدوء دون أن يتمكن الاحتلال من الوصول إليه.
ويقول عبيدات لـ«شبكة قدس» إن ضواحي القدس المحتلة تعيش أجواء هبة جماهيرية حقيقية في ظل فشل الراهن على مسارات الحل السياسي وما تبع اتفاقية أوسلو عام 1993، وباتت المقاومة هي الخيار الأوحد للجيل الناشئ.
ويضيف: غالبية المقاومين في الضفة المحتلة أو القدس حاليًا هم ممن تقل أعمارهم عن 25 عامًا وبالتالي كل الراهن على جيل شاب جديد يؤمن بنهج أوسلو قد فشل، وبات الرهان الوحيد يقوم على المقاومة الفلسطينية كخيار استراتيجي.
ويشير إلى أن المقاومة في الضفة والقدس المحتلتين في حالة تصاعد مستمرة منذ معركة سيف القدس عام 2021، وما تبعها من 4 عمليات ضربت عمق الاحتلال داخل الأراضي المحتلة عام 1948 فضلاً عن العمليات في الضفة والقدس.
ويؤكد عبيدات أن المسار القائم يعكس تصاعد حالة المقاومة خلال الفترة المقبلة بما يؤدي إلى توسع العمليات ومناطق تنفيذها، إلى جانب فشل كل خطط الاحتلال الأمنية والعسكرية في احتواء الحالة القائمة الحالية وإعادة الهدوء.