فاتن فاروق عبد المنعم

بقدر ما كان اجتياح الإسلام للعالم القديم سريعا مدهشا بقدر ما كانت العواقب والنكبات كثيرة ومترامية، فلم يمضي من عمر الإسلام خمسون عاما حتى نشر فسطاطه على الشام ومصر والعراق والشمال الأفريقي عبورا إلى الأندلس حتى بلغ جنوب فرنسا.

 

وهذه الممالك الرومانية والبيزنطية كانت لديها عقائد تتراوح مابين الوثنية بأشكال كثر والنصرانية فلما فتحها المسلمون غاضت هذه الأديان وبرز الإسلام على مهل إما بتعاليمه أو باعتناقه طواعية، ليبدأ فصل جديد من حياة هذه الممالك.

 

يقول إدوارد جيبون :

” وامتد خط الظفر مدى ألف ميل من صخرة طارق إلى ضفاف اللوار، وقد كان اقتحام مثل هذه المسافة يحمل العرب إلى حدود بولونيا وربى اسكتلندا، فليس الراين بأمنع من النيل أو الفرات، ولعل أسطولا عربيا كان يصل إلى مصب التايمز دون معركة بحرية، بل ربما كانت أحكام القرآن تدرس الآن في معاهد إكسفورد، وربما كانت منابرها تؤيد لمحمد صدق الوحي والرسالة”

 

اتسع الرتق بين العرب والبربر نتيجة ظلم العرب للبربر، فقد كانوا يستحوذون على الغنائم أو جلها وكذلك المناصب والقيادات مما أعطى الفرصة للخوارج الذين حلوا من العراق بمذاهبهم المنحرفة ليشيعو بين البربر الصفرية والأباضية وهي مذاهب شيعية انحرفت بهم بعيد عن صحيح الإسلام فكانت البذرة التي بها أحدثت الفتنة بين اتباع الدين الواحد لتشتعل النار من مستصغر الشرر، ودارت فيما بينهم معارك أسفرت عن غلبة البربر حد أنهم أصبح المستعربين منهم ولاة الشمال الأفريقي وانحسر سلطان العرب في هذه البلاد.

 

هذه الأحداث ألقت بظلالها على الأندلس فشجعت ثورة البربر في المغرب وغلبتهم البربر في الأندلس الذين كانوا يزدادون حنقا على العرب، فاشتعلت الفتن والفوضى والحروب الأهلية  بين العرب والبربر داخل الأندلس في الوقت الذي كان يشتد عضد النصارى في الأطراف.

 

إنها العصبية القبلية والقومية(بمنطق زماننا) التي ضعضعت الكل وأضعفت شوكتهم فألقت الأحداث التالية بظلالها على الكل دون تفرقة بين الظالم والمظلوم وبينما التناحر على أشده بين حكام الولايات الأندلسية وكان بأسهم بينهم شديد بعد أن ضاقت الرؤية فلم يعد ينظرون أبعد من أسفل أقدامهم وتعالوا على بعضهم البعض بالأنساب والأصول ونسوا الجوهرة التي تجمعهم جميعا دون تفرقة (الإسلام) ومقصد الأعداء وغايتهم في كل زمان ومكان ، ففي عام 750م أصاب القحط الأندلس واستمر زهاء عامين وفتك الجوع بالمدن والقرى فهبطت عندئذ عصابات بحرية ناهبة من أمم الشمال فقام يوسف بن عبد الرحمن الفهري بصدهم بعد أن أعاد التنظيم الإداري للدولة ونظم الصفوف وأعاد تنظيم وتسليح الجيش ورفع عن كاهل السكان ما كان يرهقهم حتى يضمن اللحمة الداخلية للبلاد فلا يخترقهم منها أي عدو وهي حنكة زعيم تحسب له، ولم ينسى القوط المتربصين أن يجهزوا على المسلمين المتناحرين فيما بينهم واستولوا على قواعد سبتمانيا وأنشأ مملكة صغيرة التف حولها النصارى لتكون القاعدة والمنطلق التي منها يهاجمون الأندلس.

 

مايعنينا في هذا الحدث هو أن العدو دائم التربص ما إن يتلمس كثرة الصراعات حد التحزب والتقاتل فيما بينهم حتى يغزو كالمرض طالما أن الجسد ضعيف.

 

صقر قريش- ملك عضوض

 

لا أخفي إعجابي الشخصي به وإن كان به بعض البقع السوداء ولكنه كان الغيث الذي هبط على يباب.

 

هو عبد الرحمن بن معاوية، الشاعر الأديب الأريب البليغ، ويسمى بعبد الرحمن الداخل لأنه أول من دخل الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية ويلقب بعد الرحمن الأول لأنه أول من حكم الأندلس من ثلاثة يحملون نفس الاسم ويلقب بصقر قريش.

 

كان ابو جعفر المنصور يجلس بين أصحابه فسألهم من من الملوك يمكن أن نطلق عليه “صقر قريش” وبعد سجال قصير قال لهم عبد الرحمن بن معاوية ثم ذكر أسبابه فقال:

الذي تخلص بكيده من سنن الأسنة وظباة السيوف، يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلدا أعجميا منفردا بنفسه، فمصر الأمصار، وجند الأجناد، ودون الدواوين، وأقام ملكا عظيما بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة شكيمته، إن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذلل له صعبه، وعبد الملك ببيعة أبرم عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عزته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفردا بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه، وطد الخلافة بالأندلس، وافتتح الثغور وقتل المارقين، وأذل الجبابرة الثائرين”

 

الدولة الأموية الملك العضوض بقدر ما كانت هذه الدولة قوية بقدر ما كانت تأوي في ثناياها عوامل انهيار، أولها وأعلاها انشغالهم بالتمدد الأفقي دون الاهتمام بتأمين وتعضيد داخلها والمحافظة على سلامة لحمتها، فقد أنهكتها الدعوات القومية وفي القلب منها أحداث الفتن الكبرى، ومن بين البؤر التي كانت تحتوي على الكثير من القلاقل الأندلس، فمنذ عصر هشام بن عبد الملك والأندلس تموج بالفتن والاضطرابات، ورغم انهيار الدولة الأموية إجمالا إلا أن بعث جديد قد تم لها على يد عبد الرحمن بن معاوية الذي تقدم إلى الأندلس التي تموج بجملة من الفتن والصراعات في الداخل وجملة من الأخطار في الخارج، فتلك المثقلة والمنهكة تقدم إليها الصقر مدفوع بعقيدة قوية راسخة ينشر دعوته أينما حل ليبعث الحياة في الخلافة الأموية مرة أخرى.

 

ذلك الذي نجا من جملة الصراعات والفتن التي أثارها الشيعة على وجه الخصوص والعباسيين، وحمل على عاتقه عبء بعث الدولة الأموية واستمرارها ثلاثمائة سنة أخرى متجاوزا لجملة من التحديات التي لا يقدر عليها إلا من يتصف بأرقى سمات الفرسان، على رأس هذه التحديات الدولة العباسية الوليدة في بغداد، والأحقاد القديمة التي يضمرها البربر للعرب ورغبتهم في الاستئثار بالمناطق التي يسيطرون عليها داخل الأندلس، والمملكة النصرانية التي أنشأها القوط في الشمال وتربص ملوك الفرنجة بالمسلمين في الأندلس بعد خروجهم من جنوب فرنسا (حكمها المسلمون زهاء خمسمائة عام)، والحروب الأهلية بين حكام الولايات الأندلسية وبذلك فقد حظى بعرش لم يتوطد سلطانه بعد كأنه يجلس فوق مرجل من الخطوب التي تسفر عن وجهها ولا تتخفى وكان عليه أن يقارعها جميعا في وقت واحد وجملة واحدة.

 

عندما حلت النكبات بأسرته كان فتى في العشرين من عمره ففر بأخوه الغلام الصغير إلى العراق فلما تعقبه المطاردون لعلمهم إنه من بني أمية عبر الفرات ومعه أخوه، أعطوه الأمان ولكنهم غدروا به وقطعوا رأس أخيه أمام عينيه واستطاع هو الفرار منهم، فعزم على تقصد المغرب عابرا إليها من خلال فلسطين ثم مصر ثم جاز إلى برقة حيث أخواله هناك من البربر فقد كانت أمه بربرية، وأقام فيهم لبعض الوقت يتحين الفرص ولم يغب عن الفتى الطموح الاستيلاء على أفريقيا مطمع الخوارج ( كان يطلق على الشمال الأفريقي في ذلك الوقت أفريقيا)

 

لم يكن طريقه الذي مضى فيه إلى المغرب معبدا فكم واجه محاولات شتى من موجات القتل والأسر لعلمهم أنه من بني أمية ولكنه نجا منها جميعا وكان في كل خطوة يرقب الأندلس وكيفية الوصول إليها ولما علم باشتداد الصراع بين الفرق ذات الأصول المختلفة بالأندلس بعث مولاه بدر إلى الأندلس ليسبر أغوارها وينشر دعواه بين من هم من بني أمية فعمد إلى غرناطة معقل جند الشام، عاد إليه مولاه بدر مع عدد غير قليل من أنصار الأمويين على مركب جهزه لهم أبي عثمان ولما علم الصقر من مولاه نتائج بحثه واستقصائه استبشر خير ودخل الأندلس معهم على نفس المركب فاستقبله أبي عثمان واستقر بقرية على الساحل يدبر الخطط وينظم دعوته.

 

استشعر حكام الولايات بالخطر القادم إليهم من جنوب الأندلس فبدأوا بإعداد العدة لملاقاة الصقر الأموي (عبد الرحمن الأموي خطر عليهم والقوط بمملكتهم في الشمال ليسوا بخطر والفرنجة المتاخمين للأندلس المتداعية ليسوا بخطر يستوجب اتحادهم على كلمة سواء لدحر الخطر الحقيقي الذي نسفهم جميعا فيما بعد، إنهم ملوك الطوائف الذين لم يكن فيهم رجل رشيد)

 

بدأت مرحلة أخرى لتدارك الخطر الواقع عليهم من الصقر وهي المساومة فأرسل إليه يوسف بن عبد الرحمن الفهري رسالة يجزل عليه جملة من العطاءات التي تنزله منزلة رفيعة بينهم فكتب يقول:

“أما بعد فقد انتهى إلينا نزولك بساحل المنكب، وتأبش من تأبش إليك، ونزع نحوك من السراق وأهل الختر والغدر، ونقض الأيمان المؤكدة، التي كذبوا الله فيها وكذبونا، وبه جل وعلا نستعين عليهم وقد كانوا معنا في ذرى كنف ورفاهية عيش، حتى غمضوا ذلك واستبدلوا بالأمن خوفا، وجنحوا إلى النقض، والله من ورائهم محيط، فإن كنت تريد المال وسعة الجناب فأنا أولى بك ممن لجأت إليهم، أكنفك وأصل رحمك، وأنزلك معي إن أردت أو حيث تريد، ثم لك عهد الله وذمته بي، ألا أغدرك ولا أمكن منك ابن عمي صاحب أفريقيا”

 

ولكن الصقر لم ينخدع بالعرض الهزيل فقد كان يتوق إلى الأندلس بأكملها فأبى عرضه ورد رسله، وسار الصقر يتجمع حوله كثر يبايعونه ويؤيدونه فكون جيشا من ثلاثة آلاف من الجند ولما رأى أنه يستطيع منازلة يوسف حاكم قرطبة تقدم بجنده نحوه بعد أن أمضى عاما كاملا يعد العدة داخل الأندلس.

 

عرض عليه يوسف مرة أخرى التفاوض لا حبا في حقن الدماء وتوحيد الصف ولكن لعلمه أن جيشه أصابه الوهن من كثرة الحروب والفتن والنزاعات ولكن الصقر عشريني العمر أبى إلا القتال (إنها الحنكة السياسية التي تغيب عن الكثير فالتفاوض لكي يكون لصالحه لابد أن ينكل بالآخر حتى ينتصر ويفرض شروطه).

 

كان يوم النزال يوم جمعة ويوم عيد الأضحى ورغم وفرة عدد جند يوسف الفهري إلا أن الوهن والضعف والتفرق يسودهم على عكس جند الصقر العشريني الأقل عددا ولكنهم كانوا يضطرمون عزما وحماسة فنكلوا بالجيش الآخر وألحقوا به الهزيمة فدخل الصقر الأموي ذو الست والعشرين عاما قرطبة دون معارضة تذكر، وكل هذا تم في سسويعات قليلة جدا فقد صلى الجمعة بالمسجد ثم دخل القصر وبويع على الإمارة في الحال، ولم يطل الحال كثيرا فقد دخل الصقر عاصمة الأندلس ولكنه كان ملكا يعاني الكثير من الخطوب والصراعات التي يتوجب على صاحبه ألا يغفل طرفة عين وإلا أكلته الضباع، فهذا الصرح المتداعي يحتاج إلى الكثير من العمل حتى يتوطد حكمه.

 

وظل حتى نهاية عمره (مات في الثامنة والخمسين وحكم الأندلس اثنين وثلاثين عاما) كأنه يجلس فوق بركان من الحروب والفتن والثورات والمؤامرات التي لا تلبث أن تهدأ في مكان حتى تضطرم في غيره لدرجة أنه لم يبقى في الأندلس بقعة إلا ثارت عليه.

 

ومن العجائب أن المسلمين الخوارج في الشمال استعانوا بشارلمان ملك فرنسا ليعمل معهم ضد إمارة قرطبة وليكونوا عونا له على الدخول إلى أسبانيا ( إلى هذا الحد تمددت أعطاف الضعف والوهن في أوصالهم ) بينما كان عبد الرحمن الأموي (الصقر) يصد الثورات والهجمات التي ينوء بها الجنوب خصوصا ثورة البربر التي استنفذت الكثير من جهده أعواما متتالية والذي ماكاد يدحضها حتى ظهر في شرق الأندلس خطرا جديدا قوامه الدولة العباسية.

 

ولم تتوقف المؤامرات ومحاولات الاغتيال من أقرب الأقربين إليه وهذه دائما يكون وقعها أشد وأنكى، كان يكتشفها ويئدها في مهدها ولكن في هذه المرة كانت المؤامرة فجة شديدة الوقع ورائحتها تزكم الأنوف فقتل المغيرة بن الوليد بن معاوية ابن أخيه ودخل عليه مولاه فوجده مغموم مطرق الرأس ثم رفع رأسه ليقول:

” ما عجبي إلا من هؤلاء القوم سعينا فيما يضجعهم في مهاد الأمن والنعمة وخاطرنا بحياتنا حتى إذا بلغنا منه مطلوبنا ويسر الله تعالى أسبابه أقبلوا علينا بالسيوف، ولما آويناهم وشاركناهم فيما أفردنا الله تعالى به حتى أمنوا وردت عليهم أخلاف النعم، هزوا أعطافهم وشمخوا بآنافهم، وسموا إلى العظمى، فنازعونا فيما منحه الله تعالى فخذلهم الله بكفرهم النعم، إذ أطلعنا على عوراتهم، فعاجلناهم قبل أن يعاجلونا، وأدى ذلك إلى أن ساء ظننا في البريء منهم، وساء أيضا ظنه فينا، وصار يتوقع من تغيرنا عليه ما نتوقع نحن منه”

 

أما آخر الثورات التي قمعها الصقر كانت ثورات الفهرية التي كادت أن تطيح به لولا ثباته وصموده وطموحه في مد أجل الدولة الأموية صاحبة الكثير من الأيادي البيضاء علينا، فهي دولة الفتوحات الكبرى فلا غرو أن تنجب صقرا يعيد إليها الحياة، فتى في العشرين تواتيه الفكرة التي يعزم على تنفيذها ليبلغ مأربه وهو في السادسة والعشرين متجاوزا الخطوب والأهوال لنقف أمام سيرته العطرة مشدوهين مبهورين، مثله مثل جده معاوية بن أبي سفيان الذي أسس هذه الدولة وكان كاتب من كتاب الوحي، أفسح المكان للمسلمين في البحر المتوسط بعد أن ظل ستة قرون يسمى ببحر الروم لسيطرة الرومان عليه.

 

كان الصقر المحاط بالخطوب والأحقاد المستعرة والمؤامرات من كل جانب دفعته إلى ذروة التطرف أحيانا ليستبقي دولة الفتوحات الكبرى وليخط سيرته بأحرف من نور ليخلد اسمه بين الثريا.

 

وكما نقول في مصر “ينام في جحر الثعابين” هكذا كان الصقر الذي أدرك حجم المؤامرات التي تحاك به ما دفعه إلى الغلظة والقسوة أحيانا حتى مع من آزروه وهو طريد وحيد شريد في مبتدأ دخوله الأندلس، منهم مولاه بدر الذي سبقه إلى الأندلس لينقل له أخبارها ويضع الصقر يده عن الثغر الذي منه يبدأ، ففي البداية خلع عليه الصقر القيادة والمهام وأسند إليه الكثير من المناصب ولكن بدر تغير عليه وأبدى تذمر وعدم رضا وعاتبه العتاب الخشن حد عدم اللياقة فجرده الصقر من منصبه وأمواله وأبعده عن قرطبة إلى مكان قصي ظل فيه حتى مات في فقر وضعة.

 

أما ثاني الشخصيات التي عاملها بقسوة فهو أبي عثمان الذي كان يترأس أنصاره والذي استقبله يوم دخوله الأندلس وحيدا فلما وقعت المؤامرة التي دبرها بعض الوافدين من بني أمية استراب به وظن أنه من يقوم على هذا الأمر ولم ينقذه من بطشه إلا جميل صنيعه معه سابقا، ولما ثار ابن أخت أبي عثمان على الصقر لم يتردد في قتله، وآخرين من وزرائه وأقربائه.

 

يقول المؤرخ الهولندي رينهارت دوزي:

” لقد دفع عبد الرحمن ثمن ظفره غاليا، ذلك الطاغية الغادر الصارم المنتقم، الذي لا تأخذه رأفة، ولم يبقى زعيم عربي أو بربري يقدر على مواجهته صراحة، ولكن الجميع كانوا يلعنونه خفية ولم يك ثمة رجل يرغب في خدمته”

 

ثم يقول:

” كان هم عبد الرحمن الدائم أن يذل العرب والبربر إلى الطاعة، وأن يرغمهم على التعود والسلام، وقد لجأ إلى تحقيق هذه الغاية إلى جميع الوسائل التي لجأ إليها ملوك القرن الخامس عشر لسحق الإقطاع، بيد أنه كان مصيرا محزنا ذلك الذي دفع إليه القدر إلى أسبانيا، وكانت مهمة محزنة تلك التي كان على خلفاء عبد الرحمن أن يضطلعوا بها، ذلك أن الطريق الذي رسمه لهم مؤسس الأسرة كان طريق الطغيان يؤيده السيف، ولكن من الحق أن نقول إن ملكا لا يستطيع أن يحكم العرب والبربر بغير هذه الوسيلة، فإذا كان العنف والطغيان في ناحية ففي الناحية الأخرى يوجد الاضطراب والفوضى”

 

ولكن مؤرخ آخر وهو جابر بن حيان يحدثنا عن الجانب الإيجابي في الصقر فيقول:

” كان عبد الرحمن راجح الحلم، فاسح العلم، ثاقب الفهم، كثير الحزم، نافذ العزم، بريئا من العجز، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، متصل الحركة لا يخلد إلى راحة، ولا يسكن إلى دعة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ثم لا ينفرد بإبرامها برأيه، شجاعا مقداما، بعيدا الغور، شديد الحذر قليل الطمأنينة، بليغا مفوها شاعرا محسنا سمحا سخيا طلق اللسان”

 

وللحديث بقية إن شاء الله

فاتن فاروق عبد المنعم

من فاتن فاروق عبد المنعم

كاتبة روائية وعضو اتحاد كتاب مصر