محمد ياغي

الوضع الطبيعي والأخلاقي أن يرفض الفلسطينيون أي احتلال لبلد آخر، لأن شعباً يرزح تحت نار الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود لا يمكنه أن يكون انتقائياً في مواقفه وعليه ألا يبرر احتلال دولة ما لأرض شعب آخر أياً كانت الذرائع.

روسيا وأوكرانيا.. ولقضية الفلسطينية

هذا لا يعني أن أوكرانيا الدولة أقرب لمصالح الشعب الفلسطيني من روسيا..

العكس هو الصحيح، مواقف روسيا الدولة من القضية الفلسطينية أفضل بكثير من مواقف الدولة الأوكرانية

التي ترى نفسها أقرب الى «إسرائيل» والولايات المتحدة في الموقف من فلسطين ومن قضايا العرب عموماً.

وهذا لا يعني أيضا أن رفض الاحتلال لأوكرانيا معناه القبول برواية الغرب او بالرواية الأوكرانية للخلاف مع روسيا. ضد الاحتلال لأوكرانيا..

نعم.. لكن أيضا مع سياسة الأمن الجماعي للجميع: لروسيا وأوكرانيا وأوروبا،

وهو ما يتطلب موافقة الغرب وأوكرانيا على المطالب الروسية بأن لا تكون أوكرانيا عضواً في الناتو وموطئ قدم للغرب لتهديد أمن روسيا.

ارتدادات الحرب في أوروبا على القضية الفلسطينية

بعيداً عن الموقف الأخلاقي من المسألة الأوكرانية علينا أن نفكر بارتدادات الحرب في أوروبا على القضية الفلسطينية. في هذا المجال وكما في كل أزمة هنالك تحديات وفرص يجب رؤيتها.

في باب التحديات، علينا ملاحظة أن الاهتمام العالمي بالقضية قد تراجع كثيرا منذ «الحرب العالمية على الإرهاب في بعد أحداث 11 أيلول العام 2011»

وازداد هذا التراجع بعد احتلال العراق العام 2003 وأصبحت القضية الفلسطينية خارج الاجندة الدولية بعد فشل الثورات والاحتجاجات العربية التي بدأت العام 2011 بفعل القمع غير المسبوق من الأنظمة العربية وحالة الانكسار التي شهدتها العديد من الدول العربية بفعل الحروب الأهلية فيها.

تراجع عالمي أكبر بالقضية الفلسطينية

الحرب في أوكرانيا ستؤدي أيضا الى تراجع عالمي أكبر بالقضية الفلسطينية. إدارة الرئيس الأميركي بايدن لم تضع القضية الفلسطينية على أجندة أعمالها، والغرب عموما يتبع ما تقرره الولايات المتحدة وهو لا يرى دوراً له في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وفي منطقة الشرق عموماً غير اتباع ما تقرره واشنطن وإن كان بخجل أحياناً. 

الآن أميركا وأوروبا سيكون جهدهما منصباً على محاصرة روسيا.. الأخيرة ستنشغل أكثر بالدفاع عن مصالحها المهددة بفعل الحصار الغربي.. والصين ستحاول الاستفادة من الظروف الجديدة لتغيير واقع العلاقات الدولية الحالي بالتعاون مع روسيا.

لا أحد حقيقة سيتذكر القضية الفلسطينية وسط أوليات القوى الكبرى عالمياً.

هذا بدوره يخلق فرصة ذهبية للاحتلال الإسرائيلي لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية،

للقيام بالمزيد من التهجير لفلسطينيي القدس ومصادرة أراضيهم واملاكهم، وسيجعل من مسألة قتل الفلسطينيين، وهو شيء يحدث بشكل يومي تقريباً، أكثر سهولة.

عندما يستيقظ العالم من «المسألة الأوكرانية» ستكون هنالك حقائق ووقائع جديدة على الأرض لن يكون بالإمكان تغييرها..

وكعادة الغرب المألوفة بالنسبة للفلسطينيين، سيجري الرفض لفظاً لما جرى وسيتم التعامل معه على أنه حقائق أصبح من غير الممكن تغييرها.

الاحتلال الروسي لأوكرانيا يخلق بالتالي تحديات جدية للقضية الفلسطينية…

لكنه أيضا يخلق فرصاً لها مساحتها تزيد او تتقلص بناء على سلوك الدولة العربية، الموقف من إيران، واستعداد القيادة الفلسطينية لتغير مواقفها من «إسرائيل» وتصعيد الأزمة معها.

عربياً،

الغرب سيكون بحاجة للغاز لتعويض النقص الناتج عن العقوبات التي سيفرضها على روسيا والذي سيتضمن بالتأكيد محاولات للاستغناء عن الغاز الروسي الذي يلبي ثلث احتياجات أوروبا.

حتى لو لم تفعل أوروبا ذلك لحاجتها للغاز الروسي، روسيا نفسها قد تقطع امدادات الغاز لأوروبا ردا على سياسة العقوبات عليها.

هذا يعني أن أوروبا ستحتاج الى الغاز وهو موجود في العالم العربي بكثرة – قطر مثلاً ثاني أكبر مصدر للغاز في العالم.

هذا يعطي مساحة للدول العربية لربط توريد الغرب بالمزيد من الغاز بأخذ موقف صارم من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

لكن بالطبع لا يمكننا توقع ذلك،

لأن آخر مرة استخدم العرب جزئياً سلاح «النفط» كان العام 1973 وبعده لم يجر التفكير مطلقاً باستخدامه مرة أخرى. لذلك لا يمكن التعويل على ذلك.. لكنها أيضا من باب الفرص للقضية الفلسطينية حتى لو كانت من الفرص الضائعة.

إيران ستكون من أكبر المستفيدين من الأزمة العالمية لأن انشغال العالم بروسيا سيفرض على الغرب إغلاق ملفها بسرعة.

هذا يعني، إما أن الغرب سيتجاوب مع المطالب الإيرانية في موضوع المفاوضات بشأن ملفها النووي، وهذا سيخرجها أكثر قوة من السابق وسيعزز دورها الإقليمي.

وإما أن يرفض الغرب مطالبها ويفرض عليها عقوبات اقتصادية أكبر لكن هذه المرة بمشاركة أوروبا.

لكن هذا سيعني دفع إيران أكثر للتحالف مع روسيا والصين، وهذا بدورة يجعلها أقل تضررا من العقوبات كما في السابق.

ستكون إيران أقوى من السابق 

في الحالتين ستكون إيران أقوى من السابق وسيكون وزنها الإقليمي أكبر، لكن الاستفادة الفلسطينية من ذلك، مرهون بالموقف منها.

«حماس والجهاد الإسلامي» ستستفيدان من ذلك بالتأكيد،

لكننا لا نتوقع أن يحدث شيء في العلاقات بين «السلطة الفلسطينية» وإيران.

السلطة ستبقي تعاملها مع إيران في الحدود الدنيا حتى لا تغضب بعض الدول العربية.

على الصعيد الفلسطيني الاستفادة من الفرص تتطلب الجرأة في المواقف السياسية وفي خلق أزمة سياسية مع الاحتلال يشعر العالم معها بأن عليه أن يتدخل «لإطفائها».

في باب المواقف السياسية مثلا تنفيذ قرارات سابقة لـ «المركزي» الفلسطيني بقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل وسحب الاعتراف بها وإعلان موت اتفاقات أوسلو.

وفي باب خلق الأزمات لـ«إسرائيل»،

خلق قيادة موحدة بين جميع القوى وتبني استراتيجية كفاحية لإنهاء الاحتلال بالمقاومة الشعبية وغيرها وبحسب ما تقره هذه القيادة.

لكننا أيضا لا نعتقد أن السلطة الفلسطينية في وارد التبني العملي لخطوات من هذا القبيل لأنها وضعت لنفسها «سقفا» ولا ترغب بتجاوزه لحسابات خاصة بها.

لذلك الأزمة الأوكرانية ستفرض الكثير من التحديات على القضية الفلسطينية، لكن لن يكون ممكناً للسلطة الفلسطينية الاستفادة من الفرص التي تأتي مع هذه الأزمة.