كان الشيخ العلّامة «فوزي السعيد» مدرسة متفردة في فهم وتحليل التاريخ الإسلامي، مع استبحاره العلمي في تأصيل السنن والنواميس الربانية في حركة التاريخ، وصعود وهبوط الحضارات والشعوب والأمم، وكان يستعرض هذه المسيرة التاريخية في خطبه ودروسه بسلاسة وحضور ذهن، وقدرة علمية غريبة ومبهرة.. والمتابعون للشيخ يعرفون له ذلك الفهم السديد، والتحليل المكين للتاريخ والحضارة بضوابط علمية ترقى لمستوى علوم الحديث رغم تدفقه الرائع، ومهارته اللفظية التي لا تُجارَى، إلا أنه كان يمتاز – رحمة الله عليه – امتيازا خاصا بمهارته الخطابية والفكرية معا.
والشيخ «فوزي السعيد» يمتاز بمدرسته التربوية العقائدية الفريدة، حيث عكف منذ بواكير أيامه الدعوية على تيسير علوم العقيدة والتيارات والمذاهب على المنبر رغم صعوبة هذه المادة العلمية التي ربما لا تجمع الجماهير أو تجذب الشباب، إلا أن الشيخ فوزي بعقليته التحليلية الواعية، وجسارته الفكرية السديدة؛ جعلت من علوم التوحيد والعقائد والتيارات المذهبية مادة شديدة الجذب للشباب، حتى غدا مسجد التوحيد الذي يعتلي منبره الشيخ «فوزي السعيد» مدرسة شديدة الامتياز والوعي الذي تربى عليه (ثلاثة أجيال كاملة): هم جيل الشيخ «فوزي السعيد» و(جيلين من بعده) من التلاميذ والمريدين، وهي مدرسة أجادت قراءة الصراع المذهبي والعقائدي واستخلاص الدروس الوسطية الصحيحة من خلال صحة العقيدة، ووضوح الرؤية، وتوحيد الأمة من أجل إعلاء رسالة أمة التوحيد، فكان مدرسة جامعة بين عدة مدارس تلتقي كلمتها مع رسالته، ويلتف شبابها من حوله، وتتلخّص أهدافها في إحياء رسالة التوحيد لجمع شتات الأمة، وإعادة قراءة مشروعها الحضاري المستوعب لدروس الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل..
إلى جانب أهم ما يميّز الشيخ «فوزي السعيد» كخطيب من حيث سلامة اللغة العربية وفصاحتها وسلاستها وتدفقها على لسانه بشكل مبهر وجذاب، وتأصيل كل ما يتناوله مهما كان مرتجلا، وانغماسه في الواقع الدعوي بكل خرائطه، وإدراك واجب الوقت دعويا وعلميا وأخلاقيا، وجسارته وقوة شخصيته وثباته على الحق من أول يوم إلى آخر يوم في حياته؛ رغم ما مرَّ به من مِحَن وابتلاءات مزلزلة، إلا أنه – رحمة الله عليه – كأنما كان يظلله قول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (27 – إبراهيم)
- “خَلَا لَكِ الجــوُّ فَـبِـيـضِي وَاصْـفِـرِي”.. قصة مثل عربي - يونيو 30, 2023
- 29 يونيو 1992م: “محمد بوضياف”.. الرئيس الجزائري الشريف الذي اغتالته الخيانة - يونيو 29, 2023
- 28 يونيو 2010م: وفاة الشاعر الكبير “محمد عفيفي مطر” - يونيو 28, 2023