سبقني الكبار إلى نعي ذلك الفارس النبيل بأجود ما يُنعى الأبطال، ولكن ملمحًا في حياة العالم الكريم أردت أن نستثمره عندما نقرأ مشواره وسيرته المشرفة..
بعضنا يتألم عندما يفتش في نفسه عن مَلَكة ليستغلها ويشق بها طريقه في الحياة، لكنه قد لا يجد وهذا ابتلاء، لكن هناك فئات أخرى -مثل د. محمد الجوادي- تتزاحم في روحها المواهب؛ حيث ينعم المولى عليها بتعدد المشارب والمنابع فتتضخم روح الشخص في كل الأنحاء وتفيض وتسيل، لكن هذا ابتلاء أيضًا..
كان تعدد المواهب في زمن مضى، بأن تكون الشاعر الفارس العالم المؤرخ الفلكي الفقيه الرياضي، حالة دماغية متسقة مع حجم الموارد العلمية المحدودة ومع بدائية معظمها ومع إمكان التحصيل المتعدد دون إخلال بجانب.
لكن مع تراكم العلم البشري وانفجاره بهذا الشكل الذي نعيشه جعل الإلمام بكل شيء دربًا من الوهم، بل إهدار للعمر في تحصيل المستحيل، لأن موهبتك مهما ارتقت في الحفظ والتجميع فستجد أنك في النهاية “هتقشوش” أنصاف الأشياء وأرباعها وأحيانًا شواشيها، وسيضر ذلك حتمًا بمخيلتك وإبداعاتك، وإن لم تلمس ذلك بنفسك أو يلمسه محيطوك.
صحيح قد تسبق المتخصصين بهذه الأنصاف والأرباع والشواشي، لكن ذلك ليس لعبقرية خاصة، ولكن لأن كثيرًا من المتخصصين العرب بطبيعة الحال لا يكملون أرباعًا ولا أثمانًا في تخصصهم.
الأفضل والأكمل بالإنسان المثقف العامل، أن يواصل التحصيل من كل المشارب حتى عمر معين (أظنه منتصف الأربعينيات)، لكن يجب أن يجعل مصبه بعد ذلك في اتجاه واحد أو اتجاهات متقاربة.
لكن كثرة التفريعات مضيعة قاتلة تجعل الشخص الموهوب محسورًا على ذاته التي لن تتحقق بالقدر الذي كان يستحقه ويرجوه لذاته الفذة، ومن جهة أخرى ستتقلص فائدته وانتشاره لوجود الأجود في تخصصاتهم.
- كارم عبد الغفار يكتب: ذكرى النبيل - يونيو 17, 2023
- كارم عبد الغفار يكتب: الجوادي شهيد المواهب - يونيو 14, 2023
- كارم عبد الغفار يكتب: السكة يا حسن - يونيو 11, 2023