عادت كشمير إلى واجهة الأحداث العالمية مجدداً، بعد إعلان الهند عن إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي القاضي بمنح كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية صفة الحكم الذاتي منذ عقود، وهو ما أطلق موجة غضب كشميرية وباكستانية عنيفة ضد القرار الهندي، خصوصاً وأنه جاء بعد أيام فقط على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في البيت الأبيض عن استعداده التوسط لتسوية القضية العالقة بينهما والتي تسببت في حروب دموية، وإطلاق سباق تسلح، وصل إلى المستوى النووي، لكن رئيس الوزراء الهندي سارع للرد على تصريحات الرئيس الأميركي فنفى ما أعلنه، وشدد على أنه لم يطلب منه التوسط في القضية.
هذه التطورات وما أعقبها من اجتماعات عقدتها قيادة الجيش الباكستاني، ورفض الأحزاب السياسية الباكستانية للقرار، فضلاً عن رفضه من قبل القوى السياسية الكشميرية، ترافق مع قطع لكافة أشكال وأنواع الاتصالات بين الداخل الكشميري والخارج، وهو ما أثار خوفاً وفزعاً في أن يكون القادم أخطر على الداخل الكشميري، وسبقه بالطبع اعتقال باكستان للشيخ حافظ سعيد قائد لشكر طيبة المتهم بتنفيذ هجمات مومباي قبل سنوات والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الهنود بالإضافة إلى عدد من الإسرائيليين.
السياسة الهندية الحالية هي امتداد لسياسة حزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف الذي بدأ نجمه يبرز مع نهاية الثمانينيات، فوصل بعدها إلى السلطة وهو يدعو إلى ضم كشمير للهند، ويقوم بممارسات عنصرية ضد المسلمين في الهند منذ أحداث كوجرات قبل أكثر من عقد من الزمن، ويبدو أن هذه الممارسات تعززت مع إعلان اسرائيل ضم الجولان إليها، ومصادقة الأميركيين عليه، بالإضافة إلى مخاوف هندية من أن يؤدي التصالح الأميركي مع حركة طالبان الأفغانية إلى عودتها بشكل كامل أو جزئي إلى السلطة مما يعني تقوية النفوذ الباكستاني في أفغانستان والمنطقة، وهو ما يستوجب تراجعاً مؤكداً بالنفوذ الهندي، وتعود الهند إلى أجواء ما بعد نهاية الحرب الأفغانية حين تعزز وجود الجماعات الإسلامية الجهادية في كشمير مستلهمة نجاح تجربة الجهاد الأفغاني، لكن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في الوقت الذي سعى إلى تبديد مخاوف الهند من عودتها لدعم الأحزاب الجهادية إلاّ أنه أرسل رسائل بمفهوم المخالفة أن باكستان قادرة في وقت من الأوقات إلى هذا الخيار.
حالة ما تعرف بالهندسة الديمغرافية المستمرة في سوريا وما يجري في فلسطين والإيغور بالصين وغيرها ربما شجعت الهند على المضي بنفس السياسة وذلك من أجل تعزيز الحزب الحاكم لهندوسية متطرفة دعا إليها منذ اليوم الأول، بل وكانت من أهم حملاته الانتخابية على مدى السنوات الماضية من بروزه إلى السطح السياسي، ساعده في ذلك تراجع التضامن الإسلامي والعربي في قضاياها، وبالتالي مثل هذا الفراغ يمكن استغلاله بشكل كبير، وهو ما تبدى في الحالة السورية، وكذلك الجولان والإيغور والروهينغا وغيرها من القضايا التي لا يأبه المسلمون لها كثيراً ولا حتى العالم، بما يجعل الاستفراد بأهلها سهلاً وميسوراً وقليل التكاليف على مرتكبيها.
التصعيد الهندي الأخير في كشمير لن يقتصر خطره على الكشميريين ولا حتى على الباكستانيين والهنود، وإنما قد يلقي بتداعياته على المحيط الإقليمي والدولي نظراً لامتلاك البلدين السلاح النووي فضلاً عن مصالح دول كبرى مثل الصين وروسيا وأميركا في المنطقة، فالتوتر مباشرة انعكس على التبادل التجاري بينهما، وهو ما يعني اشتداد المعركة التنافسية بينهما في أفغانستان الأمر الذي يستوجب الإضرار بالسياسة الأميركية الساعية هذه الأيام إلى الانسحاب الهادئ منها.
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: اقتصاد أفغانستان.. فرص وتحديات - أغسطس 6, 2022
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: مذبحة حي التضامن الدمشقي - مايو 15, 2022
- د. أحمد موفق زيدان يكتب: ضريبة القطع مع الشمال السوري المحرر - أبريل 24, 2022