- بسام جرار يكتب: جريمة الزنا - مايو 7, 2019
- المصارف - أبريل 27, 2019
- أكاد أخفيها - مارس 11, 2019
جاء في الآية 27 من سورة المائدة:”وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”.
لأقتلنك.. لم يبق الأمر في دائرة التهديد، بل تعدّى ليصل بابن آدم الأول إلى أن يقتل أخاه، وذلك حسداً له أن اختاره الله تعالى وتقبّل منه!! ومن قبل هذا الحدث وجدنا إبليس يعصي أمر ربّه، فقد عَظُم عنده أن يختار الله آدم ونسله للخلافة؛ فالسجود لآدم، عليه السلام، يعني الاعتراف والإقرار والقبول بتأخُّر عالم الجن لصالح تقدّم البشر ممثلين بآدم، عليه السّلام. وقد كشفت هذه الحادثة عن مرض الكِبر المتمكن من نفس إبليس. ومعلوم أنّ إبليس لا ينفرد بهذه النقيصة، بل إنّ الكِبر هو الدافع الأقوى في صد الناس عن طريق الحق والحقيقة.
اختار الله تعالى إبراهيم، عليه السلام، واصطفاه، ثم اصطفى من نسله إسماعيل وإسحاق، عليهما السلام، واصطفى من نسل إسحاق يعقوب، عليه السلام، الذي انتظر بلهفة أن يصطفي الله من نسله أحدَ أبنائه، إلى أن جاءه يوسف، عليه السلام، يقول:”إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”، فأدرك يعقوب، عليه السلام، أنّ الله تعالى قد اختار يوسف على سائر إخوته، فحرص على كتمان الأمر، لاحتمال أن يؤدّي ذلك إلى حسد وتباغض، فقال:” قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ للإنسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ”، فاختيار يوسف الصغير على باقي إخوته مظنّة الحسد لدى بعضهم، وعلى وجه الخصوص الكبار منهم، والذين يتوقون أن يختار الله تعالى أحدهم. ولا ننسى أنّ الروايات تذكر أنّ يوسف، عليه السلام، كان أخاهم لأبيهم، أمّا هم فيغلب أن يكونوا أشقّاء.
انتظر اليهود طويلاً بعد موسى، عليه السلام، آملين أن تكون الرسالة الخاتمة فيهم، وأن يكون الرسول الخاتم منهم. فلمّا بُعث عليه السلام في العرب، دفعهم الحسد والكِبر إلى الصدّ والتكذيب، بل إنّ الاعتقاد اليهودي بعقيدة الشعب المختار دفعهم إلى أن يكونوا الأشد عداوة للرسالة الإسلاميّة، وهم في ذلك يماثلون إبليس في موقفه من آدم، عليه السلام، وفي عداوته للبشر. ويبقى الكِبر هو الدافع الرئيس لكبار المعاندين، وأكابر المجرمين، أمّا أصحاب النفوس الزكيّة من أهل التواضع فيَعجَبون من مواقف أهل الكِبر، ولا يزالون حائرين، لا تطيق أفهامُهم مسلك أهل الحسد.
واليوم يَعجبُ المسلمون من الموقف الغربي من الإسلام، فقد خُدِعوا طويلاً بشعارات الحريّة والمساواة وحقوق الإنسان، ثمّ هم اليوم يقفون أمام الحقيقة؛ فحرية الاعتقاد يُقصد بها إذن حرية الإلحاد، فهم يفضلونك علمانياً أو حتى ماركسياً، أمّا أن تكون مسلماً فهذا غاية الاستفزاز، لماذا؟! نقول : لقد بات معروفاً أنّ علاقة المسلم بدينه تُميّزهُ عن سائر الناس؛ فنظرته للدين تختلف، وتصديقه يختلف، ويقينه يختلف، بل لقد بلغ هذا اليقين درجة جعلته يعتقد جازماً أن لا حقيقة غير الإسلام، لذا فهو وحده المتّهم بأنّه يدّعي ملكية الحقيقة، وهذا لأنّ سلوكه تجاه دينه، وتجاه الآخرين يُصرّح بذلك، وهو لا يرى وجود أكثر من دين حق. إنّه الوحيد الذي لا يهمّه إن وصَفَتْه الأديان الأخرى بأنّه كافر، فهو لا يأبه بذلك، لأنه لا يشكّ لحظة أنّه على الحق. وهو الذي يطلب منه الآخرون أن لا يصفهم بالكفار، ثمّ هم يحاورونهُ من أجل أن يؤخذ منه التصريح والاعتراف. وهو وحده الذي يرى أنّ الإيمان يكون بالعقل والقلب، وبالتالي لا بد من الدليل. إنّه الوحيد الذي يعتقد جازماً بوراثته للدين الحق، وبأحقيّته بالقيادة الدينية. كل ذلك لأنّه يملك الدليل والبرهان.
بعد كلّ ما قلناه، كيف لا يُستفزّ الغربي من الإسلام ومن الصحوة الإسلاميّة؛ فالغرب يرى نفسه الأول في هذا العالم، ويرى أنّه المُلهِم للبشريّة، والوصي على الإنسانيّة، وتراه يشمخ عندما يرى الناس يتهافتون على صناعته، ويتلقّفون إنتاجه. ولكن عندما يصل الأمر إلى عقيدته وثقافته، تستفزه نظرة المسلم الفوقيّة، والتي تُشعره بتهافت تلك العقيدة وسخافتها. نعم، إنّه الدافع الذي دفع ابن آدم الأول أن يقول لأخيه:”لأقتُلنّك”.