كنت -منذ سنوات- في نيقوسيا/قبرص، أُشارك في مؤتمر دولي، ترعاه مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، وبعد انتهاء الجلسات، وبينما نحن جلوس نحتسي القهوة في ردهة الهيلتون، جاءنا سباستيان، وهو شاب ألماني يشغل مركزا إداريا مرموقا في المؤسسة المذكورة، وكنت قد التقيته من قبل مرتين؛ في عمان وسراييفو، جاءنا مودعا، فظننته يودعنا بمناسبة انتهاء المؤتمر بنجاح،

 

فصحح لي ظني قائلا بنبرة فيها من الزهو والفخر ما فيها:

 

أنا سأترك المؤسسة نهائيا؛ لأنني قد حصلت على وظيفة أفضل من وظيفتي الحالية، فقدمنا له التهنئة وكلمات المجاملة المناسبة.

 

وسألته: عن المؤسسة الجديدة وعن طبيعة عمله فيها؟

 

قال؛ معلمٌ في المرحلة الأوَّلية، وهذه الوظيفة تستلزم ان أتلقى تدريبا مهنيا لمدة سنة كاملة، كي ابدأ فيها عملي الجديد!!

 

فأصابتني دهشة، كيف يترك هذا الشاب الذكي الطموح وظيفته الإدارية الدولية المرموقة هذه، ليصبح معلما في المرحلة الابتدائية!!! وقلت -في نفسي طبعا – : ماذا دهاك ياسباستيان ؟!!!

 

لاحظ سباستيان دهشتي… وحدثته بما يدور في خاطري…

 

فقال: وظيفة المعلم هي الوظيفة الأولى في ألمانيا، ويتنافس الناس عليها تنافسا شديدا، ولا تسبقها وظيفة أخرى في مخصصاتها المالية، وفي مكانتها الأدبية والاجتماعية،!!

 

استمعت إليه في دهشة لا يعرفها إلا مثلي.. ممن جاؤوا من بلادنا العزيزة.

د. محمد الشرقاوي

من د. محمد الشرقاوي

أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.