رائد ترجمة القرآن للغة البرتغالبية يرحل في صمت بالقاهرة

بعد مسيرة علمية وأكاديمية مميزة ورحلة مهجر استمرت لأكثر من 55عاما في البرازيل فقدت الأمة الإسلامية الثلاثاء الماضي في العاصمة المصرية القاهرة  الأكاديمي المعروف  ورائد الدراسات العربية في جامعة سان باولو  ونائب الرئيس السابق للعلاقات الدولية في الغرفة التجارية العربية البرازيلية، صاحب الترجمة الوحيدة للقرآن الكريم للغة البرتغالية  الدكتور  حلمي محمد إبراهيم نصر، عن عمر يناهز الـ 97 سنة.

الدكتور  حلمي نصر ولد في المنصورة، الواقعة في منطقة دلتا النيل، في الثاني والعشرين من يوليو   1922. التحق بالأزهر حيث بدأ دراسة اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية. ثم تابع دراسته في الأدب العربي في جامعة القاهرة.

في النصف الثاني من يوليو  1952 انتقل الدكتور  حلمي إلى باريس، حيث درس الأدب الفرنسي والترجمة في جامعة السوربون. وتابع دراساته العليا في علم النفس وعلم الاجتماع. وبعد عودته إلى القاهرة مارس التدريس في كلية الآداب في جامعة عين شمس.

بل أنه تحول إلي  رائد تعليم اللغة العربية على المستوى الجامعي في البرازيل، حيث قدم إلى البلاد سنة 1962 للتدريس في كلية الفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية. لمدة عام واحد، لكنه بقي في البرازيل مدة 53 عاماً.

وقد خلف فقيد الأمة الإسلامية عشرات من الأسفار العالمية  في  المجال التعليمية والأكاديمية والترجمة، أهمها علي الإطلاق  ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية، حيث قام مجمع الملك فهد في المدينة المنورة بطباعته سنة 2005، وتم توزيعه في البرازيل من قبل الغرفة العربية البرازيلية.

وبعد عدة أشهر من  إطلاق ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية ، خلال حفل أقيم في برازيليا، أعرب الأكاديمي المصري المعروف  عن أمله بأن يسهم إنجازه في تعزيز التقارب ما بين الشعوب، فقال: “إن قراءة القرآن الكريم هي وسيلة للاستمتاع بالحياة وبعبادة الله. وبالتالي أدعوكم جميعاً لقراءة القرآن الكريم والاستمتاع بمعانيه. وليس الهدف من هذا العمل تحويل الناس إلى مسلمين، ولكن لفت نظرهم لوجود دين قد يساعدهم في حياتهم. ربما في المستقبل نتعمق في دراسة القرآن هنا في البرازيل”.

ترجمة القرآن للبرتغالية بيد نصر

 

قبل ذلك وفي العام نفسه، أصدر رائد الدراسات العربية في الجامعة البرازيلية  القاموس العربي – البرتغالي، بمناسبة انعقاد قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، في العاصمة البرازيلية. وأكد آنذاك على أهمية هذا المشروع الذي سيخدم الجالية العربية في البرازيل وفي هذا السياق كذلك  حصل الأكاديمي علي عضوية  المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين التابع لرابطة العالم الإسلامي، التي يقع مقرها في مكة المكرمة.

خلال سبعينات القرن الماضي  رسخ نصر أولي لبنات اللغة العربية في أمريكا للاتينية عبر إصدار  كتاب “دروس في اللغة العربية لغير الناطقين بها”، مصحوباً بتسجيلات الدروس باللغة العربية بصوته، وباللغة البرتغالية بصوت المذيع البرازيلي المشهور “سيد موريرا”، مذيع نشرة الأخبار الرئيسية في محطة غلوبو للتلفزة آنذاك.

ولقيمة هذا السفر العلمي فقد أعيدت طباعة ونشر الكتاب  السنة 2008، مصحوباً هذه المرة بأقراص مضغوطة (CDs). وخلال حفل إطلاق الكتاب تحدث نصر عن الكتاب الجديد قائلا : “هذا الكتاب  يهدف لمساعدة القراء في مواجهة الأمور واستخدام الكلمات الضرورية في الحياة اليومية. فبالنسبة للمسافر، على سبيل المثال، هناك مفردات لتبادل الحديث، وإلقاء التحية، والقيام بالبيع والشراء”.

الانجازات العلمية لعالم الترجمة المصري الشهير لم تتوقف علي الصعيد اللغوي فقط بل امتدت  لعلم الاجتماع حيث قام بترجمة مؤلف رائع بعنوان  “عالم جديد في الأوساط الاستوائية” لعالم الاجتماع البرازيلي “جيلبرتو فريري”، لينقل للقارئ العربي نبذة عن تاريخ تكوين المجتمع البرازيلي.

ولأكثر من 55عاما عاما كان رائد ترجمة القرآن الكريم للغة البرتغالية  من أكبر المروجين للثقافة العربية والإسلامية خارج العالم الأكاديمي. وفي السبعينيات من القرن الماضي، انخرط للعمل في الغرفة العربية البرازيلية. في البداية كعضو في لجنة مكلفة بجمع الأموال لبناء مبنى المستشفى السوري اللبناني.

.

ندوة في جامعة ساو باولو سنة 1986بمشاركة د.نصر

وتقدير لخدماته الاكاديمية والسياسية حيث لعب دورا في انتزاع اعترف من جامعة الدول العربية بغرفة التجارة العربية البرازيلية تم منحه  الجنسية البرازيلية وتزوج من السيدة “نيدا غطاس”، أستاذة اللغة الإسبانية في جامعة ساو باولو. توفيت سنة 2008. وفي سنة 2015 قرر الابتعاد عن الحياة العامة والعودة إلى القاهرة لدفء الأهل والأصدقاء. واعترف آنذاك لوكالة الأنباء العربية البرازيلية (انبا) أنه “بدأ يشعر بالوحدة“. وتابع قائلاً: “لقد أتممت مهمتي. وسأنهي حياتي بسلام”.

كان الدكتور حلمي نصر  شخصية محبوبة ومحترمة من قبل أبناء الجالية العربية والإسلامية في البرازيل، وعلى الأخص في مدينة ساو باولو، وكذلك في الوسط الأكاديمي. كان يتمتع بكاريزما مميزة، ولم تكن الابتسامة تفارق وجهه. وكان دائما مستعد لرواية القصص الطويلة والإستماع لها.

رئيس الغرفة العربية البرازيلية “روبنز جنون” نعي الدكتور  حلميقائلا  قائلاً: “هو شخصية لا يمكن الإستغناء عنها. أفتخر وأعتز بصداقته وبالعمل معه خلال أعوام مديدة. كما أنه مبعث فخر للغرفة أن تضم إدارتها إنساناً بهذا المستوى من المعرفة، خلال فترة طويلة من تاريخها”.

جنون تابع قائلا : “لقد كان صديقاً ودوداً ومهنياً مخلصاً وإنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان سامية. لقد تعلمت الكثير منه، وفي كثير من الأحيان أحاول الإستلهام من حكمته عندما أكون بأمس الحاجة للجرأة والتروي في الوقت نفسه. سوف نستفقده كثيراً”.

الدكتور حلمي نصر خلال حفل وادعه قبيل مغادرته البرازيل

مجلس السفراء العرب في البرازيل بقيادة سفير دولة فلسطين، ابراهيم الزبن،  نعي الراحل الكريم معربا عن حزنه العميق لوفاته . وقال: “أود باسم مجلس السفراء العرب في البرازيل أن أعرب عن خالص تعازينا وشعورنا بالحزن لفقدان هذا العلم العربي الذي كان حاضراً في البرازيل في المجال الأكاديمي والاجتماعي والديني والذي شغل بمنتهى الجد منصب نائب رئيس غرفة التجارة العربية البرازيلية”.

 

وتذكر السفير الزبن الشخصية الدافئة الودودة التي كان يتسم بها الأستاذ حلمي، فقال: “لقد تعرفت على الأستاذ حلمي، رحمة الله عليه. وأتذكر ابتسامته التي لم تكن تفارقه. لقد كان إنساناً متفائلاً ومتفانياً في خدمة المجتمع. نطلب من الله الرحمة لروحه ونرفع لذويه وأصدقائه تعازينا الحارة. لقد كان لديه الكثير من الأصدقاء الذين احتضنوه كفرد من أفراد أسرهم”.