إن قصّة الفساد العراقي شبيهة إلى حد كبير بقصة الفساد الأوربي أيام العصور المظلمة، حيث كان التحالف الثلاثي؛ السلطة والكنيسة ورجال الإقطاع، فحينما يزداد ضغط الإقطاعيين على الفلّاحين والعمال المساكين، يتململ هؤلاء بالشكوى فتقمعهم سريعا أجهزة السلطة، فإن لم تكفِ جاءت الكنيسة لتهددهم بغضب الله ولعنته الدائمة على كل من يحاول أن يغيّر مقادير الله وأن يخرج عن سلطان الله المتمثل -بزعمهم- في الحاكم الذي اختاره الله لهم! ولو كان الحاكم يمص دماءهم ويهين آدميتهم، بينما يتقاسم رجال الكنيسة مع رجال السلطة ورجال المال ثروات البلاد وخيراتها، ومن مصلحة هذا التحالف الفاسد إشغال الناس بالخرافات والترهات، وإبقاؤهم تحت سقف الأمية والجهل المركب.

 

لقد بقي الأمر كذلك وأوربا ترزح تحت الظلم والجهل والتخلف حتى بدأت طلائع الشباب الواعي الذي ملّ من الوعود الكاذبة وأدرك أن الأرض أرضه والثروات ثرواته، وما أولئك المتحالفون إلا عصابات احتيال وسرقة، فانقض عليهم وخاض معهم صراعا طويلا حتى تزحزح ذلك الكابوس وأشرقت شمس العلم والحرية والتقدم على ربوع أوربا.

 

اليوم أدرك الشباب هذه الحقيقة، حقيقة أن تحالف الفساد مركب من مرجعيات شبيهة بمرجعية الكنيسة في العصور المظلمة، ومن سلطة فاسدة مقنّعة بقناع الدين ومدعومة من تلك المرجعية، ومن سماسرة محترفين في عقد الصفقات وأخذ الرشوات، وأن هذا الحلف كله تقف وراءه امبراطورية حالمة باستعادة أمجادها على حساب العراق والعراقيين ولو اقتضى ذلك إبقاء العراقيين تحت خط الجهل والفقر والمخدرات والأمراض، ولكن الله يمهل ولا يهمل، وحبل الكذب والدجل مهما طال فهو قصير.

من د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي