دعيت إلى مؤتمر في نواكشوط، وكان الداعي هو الشيخ (خليل النّحوي) المفكر والعالم المجدد، الصوفي الشاعر الكبير.

موريتانيا هي بلاد الشناقطة حُراس العربية على السّاحل الغربي لأفريقيا.

في تلك البلاد تجد الناس شعراء بالسّليقة.. يتكلّمون شعرا.. ويتنفسون شعرا..

لا تزال عربيتهم سليمة رصينة يعتزون بها ويفخرون

(وهذا يجعلك ترثى لبعض العرب العاربة الذين زهدوا طواعية في عربيتهم..

ورطنوا بلغات أخرى دخيلة.. في مناطق من جزيرة العرب!).

مجالسهم مجالس شعر وشعراء،

أقام لنا أحد وجهاء البلاد ووزرائها حفل عشاء في بيته، وبدأ القوم في مطارحاتهم الشعرية..

وبدأ أحدهم في إنشاد (رائعة البوصيري في مديح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)..

ويكمل آخر.. ثم أخذوا في الإنشاد الجماعي للقصيدة.. كنت أتأملهم منبهرا!

وفجأني أحدهم بسؤال غريب: هل كل المصريين يحفظون رائعة البوصري؟

قلت: ولماذا نحفظه.. نحن في مصر نقول الشعر.. وأنتم تحفظون!.. أليس البوصيري مصريا؟

وانتقل الحديث إلى فضائل مصر ومناقب علمائها.. وأفاض الحضور في الحديث، وقال أحدهم:

لم يشأ ربنا سبحانه أن يتجلّى لعبد من عباده ويتكلّم إليه.. إلا على أرض مصر!،

كما أنه سبحانه لم يذكر موطن شجرة إلا الشجرة المباركة التي تنبت في مصر

(وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصِبْغ للآكلين) – سورة المؤمنون/20

ودعينا إلى غداء في مطعم تركي جميل.. وكان معنا زميلنا الكريم أ.د. البكّاي.. الذي تلقّى مكالمة تلفونية..

طلب إليه فيها الحضور.. تركنا وذهب.. ولم يكمل الجلسة ولم يحتسِ القهوة التركية الأصيلة،

وعرفنا في المساء من الأخبار أن صاحبنا قد عُين وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.

قابلته بعد شهور حين كنت في (الرباط بالمغرب) وكان ينزل معي في نفس الفندق.. فسألته عن حاله ومشاريعه؟

– شكا أن عمل الوزير شاق ومرهق.. لا يترك له وقتا للقراءة والكتابة!!

– قلت له مازحا: هل تتذكر يوم تركتنا في المطعم ولم تكمل غذاءك معنا ولم تشرب قهوتك.. وهرولت مسرعا.. والآن تشكو؟!

الصوفية تقاوم التنصير

وحضرنا أمسية صوفية بمناسبة المولد النبوي الشريف، حضرها شيوخ التصوف في بعض الدول الأفريقية، وتناقشنا..

وعرفت -حينها- الدور الكبير الذي اضطلع به شيوخ الصوفية في أفريقيا في مقاومة الاستعمار ومحاولات تنصير المسلمين..

وفي الحفاظ على الإسلام وشعائره ومساجده ومدارسه..

وكذلك دورهم في رفض نشر المذهب الشيعي في بلدان أفريقيا.

وجلسنا على شاطئ المحيط (بحر الظلمات كما كان يسميه القدماء) قبالة الأمريكتين تماما..

وهناك ربما تقتنع: أن البحارة المسلمين قد وصلوا إلى الشاطئ الآخر..

وربما عرفوا أمريكا قبل (كولمبس) بزمن طويل، لكن لم يكن لهم مشروع استعماري هناك، كما كان لغيرهم.

د. محمد الشرقاوي

من د. محمد الشرقاوي

أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.